في يوم ١٥ يناير ٢٠٠٩، أقلعت طائرة من طراز إيرباص إي ٣٢٠ تابعة لشركة خطوط الولايات المتحدة الأمريكية، من مطار “لاجوارديا” بنيويورك، متجهة إلى مدينة “تشارلوت” في ولاية نورث كارولينا، وعلى متنها ١٥٠ راكبًا مع طاقم الطائرة المُكوَّن من ٥ موظفين؛ الطيار، ومساعده، وثلاثة مُضيفين.
ولكن بعد ٩٠ ثانية من إقلاعها، وعلى ارتفاع ٩٨٠ مترًا، مرَّت بجانب سرب كبير من طيور “الأوز الكندي” مما أدى إلى سحب هذا السرب داخل محركي الطائرة اللذين توقفَّا حينها عن العمل.
وقال الركاب وطاقم الضيافة، عند سماع شهادتهم، إنهم سمعوا صوت دوي قوي جدًا، ورأوا اللهب ينبعث من المحركات، وأعقبه انقطاع الإضاءة وضجيج بالمحركات، واشتمَّوا رائحة وقود داخل الطائرة.
وإذ لم يعد ممكنًا العودة إلى المطار، قرر القبطان “تشيسلي سولينبرجر” الهبوط اضطراريًا على صفحة مياه نهر هدسون. وبعد حوالي خمس دقائق من إقلاع الطائرة، أخبر “سولينبرجر” الركاب أن يستعدوا للإصطدام، ويتجهزوا لردة فعل قوية. وأعطى المضيفون تعليماتهم للركاب بربط أحزمة مقاعدهم، وخفض رؤوسهم.
وبما يُشبه الإعجاز استطاع “سولينبرجر” الهبوط بسلامة على صفحة مياه نهر هدسون، محتفظًا باتزان الطائرة حتى لا تنقلب في المياه، ومتجنبًا الاصطدام بطائرة برمائية كانت متوقفة بالقرب من موقع الهبوط الذي تعمَّد “سولينبرجر” أن يكون قريبًا من شارع ٤٨ بمانهاتن، بالقرب من ٣ مرافئ للقوارب، ليكون للناجين من الطائرة فرصة كبيرة لإنقاذهم.
وفي تمام الساعة ٣.٢٦ مساءً، وبعد مرور ٦ دقائق من إقلاعها، هبطت الطائرة على مياه النهر. وبعد توقفها فوق الماء مباشرة، بدأ طاقم الضيافة في إخلاء الركاب عبر مخارج الطوارئ الموجودة فوق الأجنحة. ولم يتم فتح الأبواب الخلفية بسبب أنها كانت تحت الماء، وفَتْحَها سيُسبِب غرق الطائرة. وتم إخلاء الأطفال والنساء أولاً حسب قربهم من منافذ النجاة، ثم أُخلى باقي الركاب جميعًا.
وبعد إفراغ الطائرة من الركاب قام الكابتن “سولينبرجر” بتفتيشها مرتين ليتأكد من عدم بقاء أحد على متنها، ولكي يكون آخر شخص يخرج منها. وتمسك الركاب بالوقوف على جناحي الطائرة. وخلال دقائق أتت القوارب التابعة لحرس السواحل الأمريكي، وتم إجلاء جميع الركاب مع الطاقم بأمان.
ووصف خبراء الطيران هذا الهبوط على سطح الماء، وبطائرة من هذا الحجم، وبدون وقوع خسائر في الأرواح، بأنه أنجح عمليات الهبوط الاضطراري على الماء في تاريخ الطيران، وأيضًا بأنه واحد من أندر وأكثر التحديات الفنية فخرًا في عالم الطيران.
ولقد حظى طاقم تلك الطائرة، وخصوصًا قائدها “سولينبرجر”، بالإشادة على نطاق واسع. فحاكم ولاية نيويورك وقتها “ديفيد باترسون” أشار إلى الحادث بأنه “معجزة في نهر هدسون”. وقال الرئيس الأمريكي السابق “جورج بوش”: “نحن نستلهم الخبرة والشجاعة من طاقم هذه الطائرة”.
وقد وقع هذا الحادث قبيل مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الذي دعا “بطل هدسون” لحضور مراسم تنصيبه كنوع من التكريم له على براعته في عمله. وقال “أوباما” إن الجميع فخورون بـــــ“سولينبرجر” البطل الذي استطاع إنزال وإنقاذ طائرة معطوبة ومتضرِّرة بسهولة. وشكر أيضًا باقي الطاقم، وجميع الذين كانوا بمنطقة السقوط، حيث مدوا يد المساعدة، وأعانوا جميع ركاب الطائرة.
وتجدر الإشارة أن “سولينبرجر” خدم في السلاح الجوي الأمريكي، وعمل كمدرِّب للطيران. ثم انضم إلى شركة خطوط طيران الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح “خبير السلامة” في رابطة الطيارين الأمريكيين، وكذلك مُحقِّق في حوادث الطيران. وهو الآن يتمتع بخبرة تتجاوز الأربعين عامًا في الطيران، وله مكتب خاص لاستشارات السلامة. وبحق، لقد كان الكابتن “سولينبرجر.. خبير السلامة” هو الطيار المناسب لقيادة الطائرة وقت الحادث؛ فما تلقاه من تدريب، وما تمتع به من خبرة، وكونه الطيار المناسب مسؤولاً عن الطائرة في الوقت المناسب، هو ما أنقذ ذلك العدد الكبير من الأرواح.
ويا لروعة ما أوحت به هذه القصة لي! إنها ذكَّرتني برحلتنا من هذا العالم إلى السماء، حيث وطننا وديارنا. والرب يسوع المسيح هو قبطان رحلة حياتنا. ويا له من ربان للقلب والحياة! ويا له من قائد مقتدر! هو “خبير السلامة”، بل هو «رَبُّ السَّلامَ» (٢تسالونيكي٣: ١٦). وهو «إِلهُ السَّلامِ»(رومية١٥: ٣٣؛ ١٦: ٢٠؛ ٢كورنثوس١٣: ١١؛ فيلبي٤: ٩؛ ١تسالونيكي٥: ٢٣؛ عبرانيين١٣: ٢٠)، وهو أيضًا «مَلِكُ السَّلامِ» (عبرانيين٧: ٢). وهو يسافر معنا كل الرحلة. وبالرغم من أن رحلتنا في هذا العالم المُظلم، في طريقنا إلى السماء، مسارها ومجالها مليء بأسراب الطيور التي تُمثل إبليس «وأَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» «فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ... فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ...» (أفسس٦: ١٢؛ متى١٣: ٤، ١٩)، والتي هدفها إفساد وتعطيل رحلتنا، لكن ربنا يسوع المسيح لم يَعَدنا برحلة سهلة، لكنه وَعَدنا بسلامة الوصول.
ربما يتزلزل العالم، وتهتز الأرض، ويصبح كل ما حولنا، ركامًا وأنقاضًا وحطامًا؛ أدبيًا وروحيًا، سياسيًا واقتصاديًا. فالزمان صعب، والإثم يتزايد، ومبادئ الارتداد تزداد قوة وتأثيرًا، الفوضى سائدة في كل مكان، والناس قائمون ضد القوانين والأنظمة، الثورات والاضطرابات في جميع الأنحاء، والشرور تزداد بلا خجل ولا حياء، الإلحاد والفجور والإباحية تنتشر، كل القيم الروحية تُهدَم، والشر يزداد «إلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ» (٢تيموثاوس٢: ١٦) و«إلَى أرْدَأ» (٢تيموثاوس٣: ١٣)، فنحن في «الأيَّامِ الأخِيرةِ» و«الأَزمِنَة الصَعْبَة» (٢تيموثاوس٣: ١). لكن كلمة الله تعلن أن كل مؤمن في المسيح يسوع له حياة أبدية، ولن يهلك إلى الأبد «وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا١٠: ٢٧، ٢٨). الجميع سينجو إلى الْبَرِّ الآمن (أعمال٢٧: ٤٤)، لأن الرب يسوع المسيح هو راعينا الصالح، وهو قبطان رحلة حياتنا. وحقيقة مباركة هي أننا لا يمكن أن نوجد في ظروف يعجز المسيح عن مواجهتها. وسواء كنا أفرادًا أو جماعة لا يمكن أن نوجد في مكان أو زمان ولا يكون المسيح كفوًا له. فدعونا نرنم - من القلب - وبنغمة عالية صادقة:
يا مخلصي أصحبني كن لي دوماً مرــــشدا
بيمينك أحرسنـــــــي كي لا أخشى أحدا
لست من شر أخاف فأهدني حيث ترــــــيد
بلاضجر أسير بل بإيمان وطيــــــــــد