معروف أن الصورة المهزوزة تكون غير واضحة الملامح، بل أحيانًا تكون مشوَّهة، علاوة على أنها تسبب صداعًا لمن يطيل النظر إليها. عندما تلتقط صورة بالكاميرا وتكتشف أنها مهزوزة، تقوم بمسحها على الفور؛ فما الداعي أن تشغل مكانًا من مساحة الذاكرة طالما يمكن الاحتفاظ بما هو أروع وأنفع.
صورتك هي مراية سيرتك
سيرة الإنسان يمكن أن تكون صورة جذَّابة ومبهجة وملامحها مريحة وواضحة؛ تترك أثرًا طيبًا. لكن حين يأتي وقت تتشوه ملامحها الجميلة، يهتز الانطباع الأول، وهذا الاهتزاز يُحدث صدمة مزعجة ومشوِّشة، تسبِّب الشعور بالإحباط وخيبة التوقعات. ماذا لو كانت هذه الصورة هي صورة أب في عيني أولاده، أو مدرس في عيني تلاميذه، أو خادم في الكنيسة في عيني من كان يخدمهم؟! الأمر مؤلم أليس كذلك؟ هذا ما يسميه الكتاب “العثرة”.
ما أكثر الذين يلاحظونك دون أن تدري ويتأثرون بما تقوله وما تفعله! يلاحظونك في كل المواقف، عندما تسير الأمور معك بشكل جيد أو عندما تتعقد، في أوقات نجاحك وأوقات فشلك، عندما تكون مسرورًا وعندما تكون غاضبًا.
لا تستهن بحداثة سنك
عندما تتعرض لمواقف متنوعة في حياتك من المهم أن تكون ردود أفعالك لائقة وصادقة، فالخطورة في أن تتصرف وقتها تصرفًا مختلفًا عن المبادئ التي أظهرت سابقًا أنك متمسك بها وكنت تشدِّد على أهميتها. بقدر ما يكون الشخص مؤثرًا وهو في الوضع الصحيح، يكون معثرًا إن استمر طويلاً في الوضع الخاطئ، لأن الصورة تهتز حينذاك!! إن كنت تتوق من قلبك أن تخدم الرب وتكرمه في شبابك وطول العمر، وطالما عبَّرت عن هذه الأشواق في الصلوات والترانيم، أو ربما تقوم بخدمة متميزة؛ تذكَّر أن سُمعَتَك أمرٌ ثمين جدًا. لا أقصد بالسمعة؛ الشهرة وذيوع الصيت، لكن أقصد الصفات الجميلة التي يراها الناس في سيرتك (صورتك)، لا لأن اهتزاز صورتك يجرح كرامتك فقط، بل الخسارة الأكبر من ذلك هي أن شهادتك للرب ستنطفئ وتكون عثرة لمن يلاحظونك. وعمومًا، تصحيح الإنطباعات وعلاج عواقب العثرات، أمر مكلف وليس سهلاً بالمرة. لا تستهن بتأثيرك على من حولك رغم حداثة سنك، سواء في محيط العائلة أو الدراسة أو مكان إقامتك، كل هؤلاء يتوقعون أن تكون مثالاً جيدًا، فاحرص على أن تكون صورتك غير مهزوزة مهما كان عمرك. «لا يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» (١تيموثاوس٤: ١٢) «الْوَلَدُ أَيْضًا يُعْرَفُ بِأَفْعَالِهِ، هَلْ عَمَلُهُ نَقِيٌّ وَمُسْتَقِيمٌ؟» (أمثال٢٠: ١١).
احترز مما يسبب اهتزاز صورتك
أودّ أن أذكر بعض الأمثلة للأمور التي تجعل الصورة تهتز بعنف، وأرجو أن توضع في اعتبارنا لنتحذر منها لئلا تتسلل تدريجيًا لحياتنا:
١. أداء مُفتَعَل: الرياء في الحياة، والازدواجية في التصرفات، والتصنُّع في إظهار المشاعر أو المبالغة والتكلُّف في الكلام، من الأمور التي تجعل الصورة تتأرجح بين شكلين فيراها الناس مهزوزة وخصوصًا القريبين. كلما كنت على حقيقتك وحجمك الطبيعي - بدون انتفاخ أو انكماش مُفتَعَل وبدون رتوش التكلف والمبالغة - ستكون ملامح الصورة واضحة ومريحة.
٢. كلام بلا عمل: الصدق في الكلام الممتزج، ببساطة التعبير يجعل التواصل سلسًا بصفة عامة. لكن ما يجعل كلام التواصل الشخصي أو ترديد المبادئ والقيم، مقبولاً ومؤثرًا، هو الممارسة العملية. عندما نردِّد عبارات وشعارات وتكون تصرفاتنا وتوجّهاتنا في إتجاه مضاد، تهتز الصورة. لا ننكر أن شباب هذا الجيل يفتقد وجود قدوة جيدة سواء من الجيل الأكبر أو من جيلهم. وإحدى الفضائل التي يأملون أن يروها في قدوتهم هو مطابقة السلوك العملي بالتعليم الشفوي.
٣. إيمان مُختَزَل: لا تختزل حياة الإيمان بممارسات معيَّنة في أماكن محدَّدة، وبمعنى صريح: ما يجري في مواقع الخدمة المسيحية أو داخل الاجتماعات الروحية. غالبًا ما يَظهر الإيمان على حقيقته وبحجمه الصحيح في أزمات وضغوط الحياة المختلفة. كما أن ضوء النجوم يظهر عندما يحلّ الظلام، كذلك تلمع فضائل الإيمان عندما تجتاز في ضيقة أو تُشتَم أو يُسلَب حقَّك. هذا معناه أن الصورة قد تهتز في المدرسة أو الجامعة أو محل العمل أو في مصلحة حكومية أو حتى في إشارة مرور... الخ. اعلم أن ظروف الحياة المتنوّعة كبوتقة الصائغ التي تُعطي فرصة لمن حولك أن يروا ويتأكدوا من أصالة إيمانك الذي لمع بعد أن أُمتحن بالنار. الأمر لا يتعلق بانطباع عنك بقدر ما يكون له تأثير على شهادتك للرب. ما قُلته بشفتيك وردَّدته في حياتك، إما أن يُحفر عميقًا أو يُمحى تمامًا.
٤. خيبة الأمل: من أكثر الأمور الصادمة فيما يتعلق بالعلاقات بين الناس هو الإحباط وخيبة الأمل. الأمر الذي يجعل الصورة تهتز بعنف، هو التباين الملحوظ بين ما هو حادث وما كان متوقعًا أو مرجوًا أن يحدث. وبقدر ما عَلَت التوقُّعات، يكون الإحباط شديدًا واهتزاز الصورة كبيرًا. كل واحد منا له دائرة من المعارف، على الأقل من العائلة أو الأصدقاء أو الزملاء في الدراسة أو العمل، وبصورة أو بأخرى يتوقَّعون أن يروا فيك شيئًا مختلفًا يتوافق مع إيمانك ومبادئك التي تعلنها.
الخلاصة الثمينة من كلمة الله
١. صيتك أثمن من ثروتك: «اَلصِّيتُ أَفْضَلُ مِنَ الْغِنَى الْعَظِيمِ، وَالنِّعْمَةُ الصَّالِحَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَب» (أمثال٢٢: ١؛ جامعة٧: ١).
٢. شهادة المؤمنين الحسنة عنك: «وَإِذَا تِلْمِيذٌ كَانَ هُنَاكَ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ... وَكَانَ مَشْهُودًا لَهُ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لِسْتَرَةَ وَإِيقُونِيَة... فَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَخْرُجَ هذَا مَعَهُ، فَأَخَذَهُ» (أعمال١٦: ٢-٣).
٣. الأشرار الذين يقاومونك؛ يلاحظونك: «وَأَنْ تَكُونَ سِيرَتُكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ حَسَنَةً، لِكَيْ يَكُونُوا، فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ، يُمَجِّدُونَ اللهَ فِي يَوْمِ الافْتِقَادِ، مِنْ أَجْلِ أَعْمَالِكُمُ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُلاَحِظُونَهَا» (١بطرس٢: ١٢).
٤. صورتك تتأثر بسلوكك وأيضًا بما هو داخلك: «كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ» (١تيموثاوس٤: ١٢).