أمتحنوا أنفسكم

حن نودِّع عامًا مضى، ونقترب من سنة أخرى تهِّل بخطواتها نحونا - إن تأنى الرب في مجيئه - كم هو رائع أن لا تسير حياتنا بلا تقييم أو تقدير جاد، بل من الضروري جدًا أن تكون هناك وقفة لامتحان أنفسنا وتقييمها في حضرة الرب، وإلا سيكون الغد كالأمس، بل قد يزداد أنحراف الحياة بنا عن الهدف والغرض العظيم، وتنحدر بنا إلى ما لا يُحمَد عاقبته!! فالتقييم والحكم على النفس والتغيير، أمر محبَّب جدًا ومطلوب، وتشجِّعنا عليه كلمة الله بالقول «لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ» (١كورنثوس١١: ٢٨)، وأيضًا «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ» (١تيموثاوس٤: ١٦) وأيضًا «تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ» (رومية١٢: ٢).

هذه فضيلة جميلة وراقية، يتحلّى بها كل من يرغب في حياة راقية سامية، وكل من يتوق أن يكرم الرب بحياة تَقَويّة في رضاه.

أولا ً: أهمية تقييم النفس والطريقة الصحيحة

١. يشجِّعنا الرب أن نقف ونراجع أنفسنا: أين نحن من الطريق والسلوك الصحيح؟ فيكون لنا راحة وبَرَكة «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قِفُوا عَلَى الطُّرُقِ وَانْظُرُوا، وَاسْأَلُوا عَنِ السُّبُلِ الْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ الطَّرِيقُ الصَّالِحُ؟ وَسِيرُوا فِيهِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (أرميا٦: ١٦).

٢. وهناك خطورة كبيرة للحياة بلا تقييم: فيقول الكتاب عن موآب الذي لم يُقيِّم ولم تتغيَّر حياته «مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَى دُرْدِيِّهِ، وَلَمْ يُفْرَغْ مِنْ إِنَاءٍ إِلَى إِنَاءٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى السَّبْيِ. لِذلِكَ بَقِيَ طَعْمُهُ فِيهِ، وَرَائِحَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ» (إرميا٤٨: ١١).

٣. وما هي الوسيلة التي نُقييم بها أنفسنا؟! إنها ليست بمعايير العالم من حولنا، ولا بمقارنة أنفسنا بالآخرين، فكلمة الله تحذرنا من قياس أنفسنا على الأخرين «هُمْ إِذْ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَفْهَمُونَ» (٢كورنثوس١٠: ١٢). لكن الوسيلة الصحيحة التي بها نقيس أنفسنا ونراجع عليها سلوكياتنا هي أقوال الله ومبادئه العظيمه «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا» (١تيموثاوس١٦:٤).

٤. وهناك خطورة أكيدة، عندما نتمادى فيما نعيش فيه دون تقييم أو توبة أو حُكم على الذات، فالنتيجة الحتمية هي الحكم الإلهي علينا بالتأديب «لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا» (١كورنثوس١١: ٣١).

ثانيًا: مجالات امتحان النفس

١. القلب ودوافعه

قال دواد مُصلّيًا «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مزمور١٣٩: ٢٣-٢٤).

٢. الإيمان الصحيح

«جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ» (٢كورنثوس١٣: ٥).

٣. الخدمة ودوافعها

«وَلكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِي عَلَيْهِ» (١كورنثوس٣: ١٠). بمعنى ليفكِّر كل منا: لماذا وكيف يخدم، وماذا يفعل في عمل الرب، وهذا ما يشبِّهه بولس بالبناء على أساس المسيح.

٤. سبب الضعف الروحي

يقول الرب لملاك كنيسة أفسس «فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ» (رؤيا٢: ٥).

ثالثًا: بركات امتحان وتقييم النفس في محضر الله

١. استمرار الشركة مع الرب دون عائق

الرسول بولس يحذِّر مؤمني كورنثوس من خطورة الأكل من مائدة الرب دون فحص وحكم على النفس وتوبة عن كل ضعف، لكنه يشجعهم بالقول «وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ».(١كورنثوس١١: ٢٨).

٢. الاستخدام الإلهي

المؤمن الذي يفحص نفسه في حضرة الرب، ويسمح لنور الكلمة أن ينقّي عيوبه يكون أهلاً لاستخدام الرب له «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تيموثاوس٢: ٢١).

٣. التشبُّه بالمسيح أكثر

أن الغرض من الامتحان والتقييم، ليس هدفه مجرد إدانة النفس والمشغولية بها وإذلالها. كلاَّ وألف كلاَّ!! بل الهدف الحقيقي هو الرغبه الصادقه في إزاحة كل ما يعوقني عن التمثل بالمسيح وأكون أكثر شبها له «إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ» (أفسس٤: ١٣).

ليتنا نتوقَّف بصِدق لنراجع أنفسنا وحياتنا وخدمتنا وسلوكياتنا أيضًا، في حضرة الرب وبنور كلمته. وبقوة روحه وبجدّية، نتوب عن كل أعوجاج وتقصير وعدم أمانة للرب.

لا نفشل من أنفسنا أن وجدنا الضعف والتقصير «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (٢تيموثاوس١: ٧). لكن بالاستناد على الرب ونعمته، ننسى ما هو وراء ونمتدّ إلى ما هو قُدَّام، نبدأ بداية جديدة «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي« (نحميا٢: ٢٠).