كم تساوي ؟ بتقييم من ؟

“انت ما تسواش حاجة” !! كلمة جارحة قد يقولها شخص غير مسؤول أو ذو دوافع مريضة شريرة، وكم تجرح قلب سامعها. مخطئُ من يقولها بكل تأكيد، وهو لا يعرف للتقويم السليم سبيلاً. ومن العقل ألا نُقيم لمثل هذه العبارة وزنًا. إلا أن سؤالاً مُلِحًّا في داخل كل منا يظل يتردد بإلحاح: “كم أساوي؟” الكل يبحث عن جواب.

الكثيرون ذهبوا ليبحثوا عن قيمتهم في ما يلبسون ويأكلون ويمتلكون. فتجد البحث الدؤوب عن أفخر الثياب وأشهر الماركات، عن أحدث موديلات الموبايلات و“أروش” النظارات وسائر المقتنيات.

البعض طلب الشعور بالقيمة هذا في التفوق في أي مجال: علميًا أو رياضيًا أو اجتماعيًا. فنرى السعي للإنجاز الرياضي تارة، وتارة أخرى لمحاولة الظهور الاجتماعي بالتميز مثلاً بروح الفكاهة، أو إظهار الواحد نفسه كالعالِم ببواطن الأمور. هناك من راح لإطلاق طاقاته في إحدى المواهب، والقليل سعى للعلم مجالاً لتحقيق ذاته. وتطرَّف البعض في البحث عن قيمتهم من خلال إثارة المشاكل واستخدام العنف أحيانًا.

ومع الكل بقي السؤال “كم أساوي؟” بلا إجابة شافية كافية.

بضعة عناصر

خطرت ببالي فكرة للبحث عن إجابة، أن أبحث على صفحات شبكة الإنترنت؛ فصُدمت!! أشاركك بما وجدت في موقعين يمثِّلان باقي النتائج. ففي الأول ؛ وجدت إحصائية بالقيمة المادية للمواد المكوِّنة لجسم شخص يزن ٨٠كجم، كالآتي:

العنصر

الكتلة(جم)

القيمة(دولار)

الأكسجين

٤٩١٤٠

٩.٨٢٨

الكربون

١٨٢٩٠

٠.١٨٣

الهيدروجين

٨٠٠٠

١.٦٠٠

النتروجين

٢٠٦٠

٠.٤١٢

الكالسيوم

١١٤٠

٠.١١٤

الفوسفور

٨٩٠

٠.٨٩٠

البوتاسيوم

١٦٠

١٠٤.٠٠٠

الكبريت

١٦٠

٠.٠١٦

الصوديوم

١١٠

٢٧.٥٠٠

الكلور

١١٠

٠.١١٠

المغنيسيوم

٢٠

٠.٠٦٠

الحديد

٤.٨٠

٠.٠٠١

الفلور

٢.٩٧

٥.٩٤٠

الزنك

٢.٦٣

٠.٠٠٥

السيليكون

١.١٤

٠.٠٠٢

الروبيديوم

٠.٧٨

٧.٧٧٠

السترونتيوم

٠.٣٧

٠.٣٦٦

البروم

٠.٣٠

٠.٠١٥

٤٢ عنصرًا آخر

٠.٧٠

٠.١٨٦

الإجمالي


١٥٩.٠٠٠

أي ما يقرب ١٢٤٠ جنيهًا مصريًا هي قيمة جسد الإنسان الذي يعيش به كل حياته! تخيل أن هذا الشخص عاش في المتوسط ٦٢ سنة، تصبح قيمته في السنة من عمره ٢٠ جنيهًا، أي حوالي ٥ قروش في اليوم الواحد!!

هل تجيب الإحصائية عن سؤالنا؟ لا أعتقد.

ثمنٌ من يُثمِّنَهُ؟

أما الموقع الآخر فذهب لاتجاه مخالف؛ لقد حسب قيمة أعضاء الإنسان إذا بيعت في الأسواق السوداء بواسطة عصابات الإتجار بأعضاء البشر؛ فكانت كالموضَّح بالرسم. وبحسبة بسيطة تجد أنه في المتوسط يمكن بيع الإنسان بمبلغ ٣٥٠,٠٠٠ دولارًا أي ما يقرب من ٢.٧ مليون جنيهًا مصريًا. هذه هي قيمة الإنسان في عين هذه التجارة الشيطانية الرهيبة التي يصاحبها الكثير من جرائم القتل والخطف والنصب! قيمتي وقيمتك في عين الشيطان! لكن تذكر إنها قيمة جسد ميت!! وهذا هو عمله منذ القديم، يعرض علي الإنسان أثمانًا يظنها ثمينة، لكن كل ذلك ليميته فهو «قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ» (يوحنا٨: ٤٤).

هل وجدت هنا إجابة عن السؤال؟ 
أم مثلي لم تجد؟!

أعلى قيمة

تحوَّلتُ إلى مصدر راحتي، إلى مرجعي الوثيق ومعلِّمي الأمين، إلى كلمة الله. فمن يعرف قيمة الإنسان الحقيقية إلا صانعه؟! وأين تجد تقريرًا دقيقًا عن هذه القيمة إلا في كلمته؟!

وجدت الكثير من الأجزاء الكتابية التي تجيبني عن هذا السؤال تمامًا، إجابة وافية شافية.

ودعني في مقالنا المحدود هذا أقف أمام جزء منها هو إشعياء٤٣: ١-٧.

اقرأ هذا الجزء بالتدقيق لتجد صوت الرب يقول لك كما لي «إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُك». لقد خلق الله الإنسان متميزًا وبطريقة فريدة؛ بيديه ونفخة فمه وليس بمجرد كلمة كباقي المخلوقات. خلقه بعد أن هيّأ له الأرض للسكن حتى لا يجدها خربة وخالية، بل وأسكنه في جنة، وسلَّطه على جميع أعماله. وطوال حياته يهتم بأموره بدقة.

والأهم هو ما نقرأه في الأعداد ذاتها «فَدَيْتُكَ... مُخَلِّصُكَ». عندما أخطأ الإنسان لم يتركه وشأنه يواجه حكم الهلاك الذي يستحقه، بل تدخَّل ليقدِّم له الحل الوحيد الكامل بفدائه، وثمنه الكريم موت المسيح على الصليب. هل من قيمة لإنسان أروع من أن يهتف مع بولس قائلاً: «ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية٢: ٢٠)؟! أو يرنم مع القائل:

نفسي كانت ما تساويش


إلا موت أجر الخطية

إنما نفسي في عينيك


كان ثمنها موت فاديا

وهل من قيمة أعظم؟! «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا١٥: ١٣)!

والكثير والكثير

وإن عُدنا لإشعياء٤٣، يزيد شعورنا بالقيمة عندما نقرأ «دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي... أَنَا مَعَكَ... لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ». إنه يعرفني شخصيًا، بكل ظروفي وأعماقي، يفهمني أكثر حتى من فهمي لنفسي. إنه يعتزّ بملكيته لي كما لو كنت جوهرة غالية على قلبه. نعم لقد كنت ككنزٍ مضى وباع كل ما له ليشتريه (متى١٣: ٤٤). ومن قيمتي عنده يلازمني راعيًا وحافظًا حتى لا يقع بي الضرر.

ثم ما أروع قوله «لِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ»؛ فلحياتي هدف وخطة عظيمة، فنحن «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس٢: ١٠). ليست حياة بلا هدف ولا قيمة ولا معنى، بل أروع حياة. لقد رتب كل تفاصيل حياتي: تكويني وظروفي وإمكانياتي ومن حولي...، ليتمِّم قصده الرائع في حياتي. فكل مؤمن حقيقي بشخص المسيح يمكنه الترنم «نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا... مَا أَكْرَمَ أَفْكَارَكَ يَا اَللهُ عِنْدِي! مَا أَكْثَرَ جُمْلَتَهَا! إِنْ أُحْصِهَا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّمْلِ» (مزمور١٣٩: ١٣-١٨).

إن القيمة الحقيقية للإنسان هي عند المسيح وفي ارتباطه به. فهل وجدت قيمتك، أم ليس بعد؟

ليكن المسيح مخلِّصك الشخصي، ولترتبط به كمنبع القيمة الوحيد في الحياة.