«أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي» (يوحنا١٠: ١١–١٤).
مثل الراعي
العمل الرئيسي لشعب إسرائيل هو رعاية الغنم، وكان لكل راعٍ حظيرة مُحَاطَة بسياج لحماية الغنم من اللصوص والحيوانات المفترسة. وقد يكون في حظيرة واحدة عدة قطعان لمجموعة من الرعاة، ولها حارس واحد. وعند مجيء الراعي يعرفه الحارس فيفتح له الباب. ويدعوا الراعي خرافه بأسمائها فتخرج وتتبعه.
الراعي المسيح
بهذا التشبيه، قَصَدَ الرب أن يعود بفكر اليهود إلى الراعي الذي ينتظرونه، وصخر إسرائيل الذي يتطلعون إليه. والذي كتب عنه حزقيال النبي (حزقيال٣٤)، وأوضح لهم هناك سمات الرعاة الأشرار الذين يستغلون الغنم لمصلحتهم الشخصية بلا رحمة أو عدل. وبيَّن لهم قصد الرب أن يفتقد غنمه ويخلِّصها ويعود بها للعلاقة الصحيحة معه. ويواصل حزقيال أن الراعي سيكون من نسل داود، المسيا الذي سيقود إسرائيل للمرعى الجيد وسينهي سبيهم، ويردّهم للحظيرة، وينهي انقساماتهم، ويكونون رعية واحدة لراع واحد. أنه هو الذي كتبت عنه النبوات (للمزيد اقرأ تكوين٤٩: ٢٤ «وَلكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ، وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ، مِنَ الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ»؛ وأيضًا مزمور٨٠؛ إشعياء٤٠).
هو يهوه
رأينا في بداية هذه السلسلة أن كلمة «أنا هو» تعني “أنا الكائن” الدائم الوجود. ومن هذا سوى الله؟!
يهوه الراعي
قال عنه يعقوب أبو الأسباط «اللهُ الَّذِي رَعَانِي مُنْذُ وُجُودِي إِلَى هذَا الْيَوْمِ، مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ، مِنْ هُنَاكَ، مِنَ الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ» (تكوين٤٨: ١٥؛ ٤٩: ٢٤) «وكتب عنه آساف يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ» (مزمور٨٠: ١).
مميزات الراعي الصالح
١. يبذل نفسه أو يضع نفسه
كما قيل عنه في النبوة «جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ» (إشعياء٥٣: ١٠). إنها التضحية الاختيارية. وهنا نرى الاختلاف بينه وبين الراعي العادي الذي يموت الخروف ليفديه، أو ليعطيه اللحم ليأكله. وبينه وبين الأجير؛ الذي ليس راعيًا، وليست الخراف له إنه ليس فقط لا يحرص على حياة الخراف، بل حتى واجبه لا يحرص عليه، المهم عنده الأجر الذي يتقاضاه. فعندما يرى الخطر قادمًا يترك الغنم ويهرب لنفسه. إنه يعمل لا لمصلحة الغنم أو حبًا فيها.
٢. يعطي حياة
السارق يأتي ليسرق الحياة، يذبح ويُهلك، أما المسيح فجاء ليعطي حياة أفضل مما نتوقع أو نفتكر، إنه فيض الحياة.
٣. يعرف خرافه
ليست معرفة سطحية، بل داخلية بعين المحبة الفاحصة. فهو يعرف أسماء الخراف، وحالة كل منهم، وكل صغيرة وكبيرة في حياته. وأيضًا يعرف الخراف من الذئاب التي في ثياب حملان، وخرافه أيضًا تعرفه وتميِّزه عن الآخرين. معرفة قياسها المعرفة بين الآب والمسيح.
٤. يقود خرافه
أي يتقدَّمها ويواجِه الأخطَار قبلها، ويمهِّد لها الطريق، ويحميها من الوحوش واللصوص. وهي بالتالي تتبعه. هذا بسبب العلاقة التي بينها وبينه، والمعرفة السابقة، والعشرة الطويلة. فالراعي يعرف طبائع خرافه واحتياجها ويتعامل معها بناء على ذلك، والخراف تعرف صوته لأنها تعوَّدت عليه، وتتبعه لأنها تثق به.
٥. يحنو على خرافه
يقال إن الراعي كان يلبس معطفًا في الشتاء به جيوب كبيرة بأحزمة يضع فيها الحملان لحمايتها من برد الشتاء. والمرضعات يقودها ولا يستكدّها في السير بل برفق وهو يتأنى عليها وينتظرها إن وقفت، وينادي عليها إن نامت (نشيد٥: ١-٣).
٦. يبحث عن الضال
لا نقرأ أن الضال يبحث عن راعيه. بل الراعي «يَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ» (لو١٥: ٤). إنه يعرف أثر خرافه ويتتبعه حتي يجده.
٧. يطعم خرافه
فهو يقودها إلى المراعي الخضراء ويوردها إلى مياه الراحة (مزمور٢٣). عكس رعاة الشعب الذين يرعون أنفسهم ويأكلون الشحم ويذبحون السمين ولا يرعوا الغنم الْمَرِيضُ «لَمْ تُقَوُّوهُ، وَالْمَجْرُوحُ لَمْ تَعْصِبُوهُ، وَالْمَكْسُورُ لَمْ تَجْبُرُوهُ، وَالْمَطْرُودُ لَمْ تَسْتَرِدُّوهُ، وَالضَّالُّ لَمْ تَطْلُبُوهُ، بَلْ بِشِدَّةٍ وَبِعُنْفٍ تَسَلَّطْتُمْ عَلَيْهِمْ» (حزقيال٣٤: ٣).
وعمل المسيح كالراعي يغطّّي ليس الماضي فقط كالراعي الصالح، بل الحاضر أيضًا كراعي الخراف العظيم «وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ» (عبرانيين١٣: ٢٠). والمستقبل كرئيس الرعاة «وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى» (١بطرس٥: ٤).
عزيزي القارئ: إن كنت ضالاً بسبب خطاياك، أو أضلَّك وخدعك الآخرون. ليتك تتنبه لنهاية طرق الموت السائر فيها وتستمع لصوت الراعي الصالح فهو يناديك باسمك، ليردّ نفسَك ويهديك إلى سبل البر. وإن كنت مؤمنًا به، ولكنك تشعر ببعدك عنه بعيدًا عن رعيته ومرعاه، فها هو يبحث عنك ليردَّك لشركتك وأيام المحبة الأولى. فهل من مجيب؟!