حمل كتاب “أكثر خمسة أشياء ندموا عليها” للممرضة الأسترالية “بروني ويير” دروسًا قيِّمة وتحذيرات خطيرة، ليس للمرضى في المستشفيات فقط، بل لكل من يتمتع بوافر الصحة والطاقة.
الجدير بالذكر إن “بروني” عملت كممرضة متخصصة - لأكثر من ٢٠ عاما - للحالات المرضية الحرجة والمتأخرة داخل غرف الإنعاش والعناية المركزة في مستشفيات مختلفة، كما أنها عملت عند العديد من كبار السن قبل وفاتهم، وكانت تسألهم في آخر أيامهم عن أمور ندموا على عملها أو أشياء تمنّوا لو أنهم قد قاموا بها بطريقة مختلفة. وتكمن قيمة كتابها (تُرجِم لأكثر من ٢٧ لغة) في احتوائه ملخص حياة كثيريين كانت شاهدة عيان على اللحظات والكلمات الأخيرة لهم وهم على فراش الضعف والمرض يواجهون الموت عالمين أنهم في أيامهم الأخيرة، وبالتالي خرجت إعترافات صريحة؛ فأقرَّ الكثيرون منهم إنهم أدركوا أهم دروس حياتهم متأخرًا، بعد أن ضاعت الصحة وذهب الشباب بعيدًا وبلا رجعة. لخَّصت “بروني ويير”: إعترافات مرضاها في خمس أمنيات رئيسية، دعني أسردهم عليك عزيزي القارئ:
١. تمنيت لو ملكت الشجاعة لأعيش الحياة التي أردتها لنفسي، لا التي أرادها الآخرون لي
كثيرًا ما عشنا لنرضي من هم حولنا؛ سواء بالمظاهر، العادات والتقاليد أو الأعمال، فنسينا تمامًا الهدف الأسمى لحياتنا الذي حرَّضنا عليه الرسول بولس «فقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» (فيلبي١: ٢٧). وهنا أريد أن أسالك يا عزيزي: من تهتم بإرضاءه؟ أصدقائك، أهلك، نفسك،...؟ قد يكون حسنًا إن ننال رضاهم، لكن الأهم: هل تسعى لإرضاء الله؟! هل تريد أن يُقال عنك ما قيل عن نوح: «فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا» (تكوين٨: ٢١)؟! هل تحلم معي بأن تسمع التقرير النهائي لحياتك مثل أخنوخ: «شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ» (عبرانيين١١: ٥)؟!
٢. أتمنى لو أني لم أعمل بهذه الكثرة
يشجعنا سليمان الحكيم على الإجتهاد في العمل والرغبة في النجاح والفلاح في كل جوانب الحياة «أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ!»، ويضيف قائلاً: «الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا، أَمَّا ثَرْوَةُ الإِنْسَانِ الْكَرِيمَةُ فَهِيَ الاجْتِهَادُ» (أمثال٢٢: ٢٩؛ ١٢: ٢٧). لكن، للأسف، أحيانًا يتحوَّل الإجتهاد في العمل إلى نوع من العبودية في العمل نهارًا وليلاً ولساعات طويلة بحثًا عن غنى أكثر ورغبة في الامتلاك، مما يُعطي الفرصة لإضاعة أمور أكثر قيمة مثل: العائلة، الأولاد، الصحة، الإجتماعات،... لذا يحذِّرنا حكيم الحكماء وأحَد أغنى الملوك: «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ. هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَالنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ السَّمَاءِ» (أمثال٢٣: ٤-٥).
٣. كم أتمنى لو ملكت الشجاعة للتعبير عن مشاعري وإيماني
فغالبًا ما يتجنَّب الكثيرون التعبير عن إيمانهم ومعتقادتهم ظنًّا منهم إنهم بذلك يتحاشون المشاكل أو الخلافات والمصادمات، فتمرّ سنين كثيرة ولا يعرف أقرب الأقرباء مننا حقيقة إيماننا وقيمته، لأننا عشنا حياة سلبية وعادية، ولم نشارك الآخريين إيماننا مثل بطرس ويوحنا «امْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ» (أعمال٤: ٢٩)، بالرغم من طلب الكثييرين حولنا «اعْبُرْ إِلَينا... وَأَعِنَّا» (أعمال١٦: ٩). هل تستمع معي لنصيحة بولس الغالية إلي تيموثاوس «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ» (٢تيموثاوس٤: ٢).
٤. أتمنى لو حافظت على علاقتي بأصدقائي
قليلاً ما نجد الأصدقاء الذين نشعر معهم بالمحبة والأمان وتستمر علاقاتنا معهم طويلاً بسبب تقلبات الزمان والمكان فـ«اَلْمُكْثِرُ الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ، وَلكِنْ يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ» (أمثال١٨: ٢٤). هل تبحث عن صداقة حقيقة ودائمة؟ ها الرب يسوع المسيح الحنان والمحب الألزق من الأخ يحبك ويبحث عنك، فهل تتخذه لك صديقًا، حبيبًا،...؟
٥. أتمنى لو كنت تركت نفسي لتكون أكثر سعادة
إن السعادة وراحة البال حلم كبير لكثيرين، فالبعض يعتقدون أنهم سيجدون فرحهم في الشهرة، المال، أو السلطة، بينما يظن آخرون أن السرور في كثرة الأملاك أوالسفر والترحال، وقد تناسوا تمامًا مصدر الفرح الحقيقي الذى به بشَّر الملائكة أرضنا يوم ميلاد المسيح: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا٢: ١١، ١٤). فالفرح بالرب يعطي قوة «لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نحميا٨: ١٠)، بل ويطرد الخوف معطيًا سلامًا «وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْف... جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: "سَلاَمٌ لَكُمْ!... فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يوحنا٢٠: ١٩-٢٠). ويعطي فرحًا في وقت الحزن «حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ» (يوحنا١٦: ٢٠)، وأيضًا في التجارب «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ» (يعقوب١: ٢). إجمالا هو «فَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ» (١بطرس١: ٨). لذا علينا أن نفرح في الرب «كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا» (فيلبي٤:٤).
صديقي، هل رأيت معي كيف عاش الكثيرون وهم يجهلون المعنى الحقيقي لحياتهم بعد أن شردوا بعيدا وراء أحلام وطموحات وقتية، بحثًا عن السعادة وتحقيق ذواتهم، لكنهم اكتشفوا في نهاية المطاف أنهم يجرون وراء سراب ويسعون لإرضاء آخرين ولم يعيشوا كما تمنوا، فمرت أيام، بل سنين، واكتشفوا أخيرًا أن هذا ليس ما كانوا يبحثون عنه. لذا هل تطيع معي يا عزيزي دعوة الحكيم: «فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: "لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ"» (جامعة١٢: ١)؟!
صلاة: ربي يسوع، أنت لي أقرب الأصدقاء، وأمهر أطباء، تقدر أن تداويني مهما كان عمق الداء، لي فيك دائمًا رجاء، فأسكن قلبي وأملك على حياتي بل وأحفظني أن يمر عمري بعيدًا عنك هباء.