تمثال الحرية Statue of Liberty هو عمل فني نحتي قامت فرنسا بإهدائه إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٨٦ كهدية تذكارية، بهدف توثيق الصداقة بين البلدين بمناسبة الذكرى المئوية للثورة الأمريكية. وهو عبارة عن سيدة تحرَّرت من قيود الاستبداد التي أُلقيت عند إحدى قدميها. وتمسك في يدها اليمنى مشعلاً يرمز إلى الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتابًا نُقِش عليه بأحرف رومانية جملة “٤يوليو١٧٧٦”، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي.
وأتذكر في أحدى المرات، بينما كنت أتجول بالقرب من هذا التمثال، جاءني أحدهم يحكي لي عن الحرية وأهميتها وأنه يعيش في بلاد الحرية... لكنني كنت أتعجب من طريقة كلامه غير المتزنة، وسرعان ما أكتشفت أنه سكران “طينه”!! فقلت فعلاً، إنها الحرية الوهمية يا صديقي!! ما أحوجنا إلى الحرية، لكن الحرية الحقيقية وليست الوهمية!!
أولاً: رغبة الله أن يكون الإنسان كائنا حرًا
١. فعندما خلق الله الأنسان، خلقه على صورته كشبهه، في الإرادة الحرة والإدراك والسمو والرقي، لم يضعه في زنزانة بل في جنة، لم يقيّده بسلاسل بل جعله حُرًّا وسلّطهُ على كل شيء «وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ» (تكوين١: ٢٦).
٢. ولكن وأسفاه!! أساء الإنسان استخدام هذه الحرية، وخُدع من الشيطان، وتعدّى على قانون الله الذي وضعه له لحماية حريته، والنتيجة لذلك أن الحُرّ باتَ عبدًا ذليلاً للشيطان ولشهواته المدمِّرة، لأن من يفعل الخطية هو عبدٌ للخطية!!
٣. وما زال الله يتعامل حتى اليوم بمبدإ “الحرية”؛ فلا يُرغم الإنسان أبدًا على شيء، مع أنه القدير صاحب السلطان، وإن كان يقدِّم له النصيحة لخيره وراحته؛ قائلاً «قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَة. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ» (تثنية٣٠: ١٩).
ثانيًا: خطورة إساءة الإنسان لمفهوم الحرية
أساء الإنسان جدًا إستخدام الحرية التي منحها له الله، فجلب على نفسه الويلات والمتاعب وألقى بنفسه في قيود العبودية، والمدهش أنه يصرخ “أنا حر أعمل اللي أنا عايزه”!! وإليك بعض الصور:
١. التحرر من الأخلاقيات: فأول شيء أراد الإنسان أن يعيش به حريته كان تجرّده من كل القيم والمبادئ الإخلاقية والإلهية. فتمرَّد الأولاد على والديهم، وكُسرت قوانين الزواج فعاش الشاب مع الفتاه دون زواج - حرية بقى!! - وكثر الإجهاض للأجنة البريئة، ووُلد أطفال لا يعرفون لهم والدين يواجهون حياة ذليلة بلا أسرة أو مأوى!! بل وأكثر من ذلك، زاد التطاول بوضع قوانين تبيح زواج الشواذ بعضهم ببعض!! وخرج المعلّمون والقاده الأشرار ليقنعوا الشباب بأنها الحرية الجميلة «وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ» (٢بطرس٢: ١٩). عزيزي إن الأخلاق والمبادئ الإلهية هي ليست قيودًا لحريتك، بل سياجًا يحفظ لك حياة كريمة شريفة، فلقد قال داود «يَحْفَظُنِي الْكَمَالُ وَالاسْتِقَامَةُ، لأَنِّي انْتَظَرْتُكَ» (مزمور٢٥: ٢١).
٢. إبعاد الله والابتعاد عن الله: الشيطان الكذاب أوهم الكثيرين أن الله ما هو إلا ديكتاتور يريد تكبيل الإنسان بالقوانين والنواهي. وأن الطريق الأمثل للتمتع بالحرية هو التخلص من فكرة وجود الله!! وهذا ما ردده المزمور الثاني «قَامَ مُلُوكُ الأَرْضِ، وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا» (مزمور٢: ٢-٣). وأيضًا «فَيَقُولُونَ ِللهِ: ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ» (أيوب٢١: ١٤). حذار صديقي من كذبة العدو التي خدع بها حواء قديمًا، فلا سبيل للحرية القلبية والنفسية إلا مع الخالق والفادي، الذي قال «لأَنَّهُ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ، وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ، وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال٨: ٣٥).
٣. تدمير الإنسان لنفسه: وماذا جنى الإنسان من الحرية الوهمية التي يعيشها؟ من ينظر حوله لا يحتاج إلى دليل أو أثبات لما حصده الواهمين بحريتهم، سواء كان بالأمراض الخطيرة كالإيدز، أو إنهيار الأسر والعائلات، أو زيادة نسبة الإنتحار بين الشباب ولا سيما في الدول المتقدّمه كالسويد وسويسرا!! فما أروع وصف الحكيم سليمان لهذا الضياع الرهيب بالقول «كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ... لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ» ثم يختم بتحذير خطير من هذا الطريق قائلاً «لاَ يَمِلْ قَلْبُكَ إِلَى طُرُقِهَا، وَلاَ تَشْرُدْ فِي مَسَالِكِهَا» (أمثال٧: ٢٣-٢٧).
ثالثًا: الطريق إلى الحرية الحقيقية:
أ تبحث صديقي على حياة الحرية الحقيقية؟؟
١. المسيح هو المحرِّر الوحيد: جاء يومًا في الجسد وأعلن قائلاً «لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ» (لوقا٤: ١٨)، ووعد المسيح أيضًا «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا٨: ٣٦). لقد حرر السامرية من عبودية الشهوات، والمجنون من عبودية الأرواح الشريرة، وملايين غيرهما. ويمكنه أن يحرِّرك الآن إن طلبت منه.
٢. يعطي الرب يسوع طبيعة إلهية: فكلّ من يؤمن بالمسيح ينال طبيعة سماوية إلهية تؤهِّل لحياة السمو والرقي الأخلاقي وتساعد على التمييز بين الحرية الحقيقية والخداع الوهمي للشيطان. اقرأ معي هاتين الآيتين «لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (٢بطرس١: ٤)، «وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ» (يوحنا٨: ٣٢).
أشتاق أنَّ الرب يحفظني وإياك صديقي، من عالم الزيف والخداع ومن المسميات الكاذبة والشعارات الخادعة "للحرية الوهمية"، والتي ما هي إلا عبودية ودمار ليس إلا!! وليعطنا الرب أن تكون عيون أذهاننا مستنيرة وصاحية، لنميز الأمور المتخالفة، ونختبر تلك الحرية الحقيقية التي في المسيح ونستمتع بها، بل ونثبت فيها، فنكون بالحقيقة أحرارًا.