المُلك المسلوب والتشريفة "الفالصو "
معدن النحاس من أول المعادن التي استخدمها الإنسان وله ضرورته ومنافعه المتنوعة. معروف أن النحاس عندما يخلط بالخارصين أو القصدير ويُصقل جيدًا يصبح له لمعان ومظهر الذهب، ويمكن أن يبدو من بعيد كأنه ذهب، خاصة للعين غير الخبيرة.
١- النحاس عندما أحرجه الناس أمام الذهب
معدن النحاس رغم خواصه المتميزة وأهميته لكنه يُهان من الإنسان في حالة واحدة؛ عندما يُصنع منه شيئًا يضاهي المصوغات الذهبية وفي هذه الحالة (أي عندما يقارَن بالذهب) لا يدعونه نحاسًا لكن يسميه الناس “فالصو”. كلمة “فالصو” تُستخدم في لغتنا العامية عندما نصف شيء يشبه الذهب لكنه ليس ذهبًا حتى لو صُنع من أنقى وأجود خامات النحاس، مهما كان بريقه وإتقان تصميمه. صحيح أننا نستعير كلمة “فالصو” لكي نصف بها أي شيء مغشوش وغير أصلي، وهذا يتفق مع المعنى الأصلي للكلمة. “فالصو” Falso كلمة أسبانية مثل كلمة False بالإنجليزية، والكلمة في الأساس مشتقة من أصل لاتيني وهو Fallere بمعنى يخدع أو يغش أو Falsus بمعنى يقلِّد أو يزوِّر. مع أن الفالصو له بريق جذاب يبهر العيون، غير أن الحصول عليه ممكنًا بثمن زهيد، لكن قيمته تبقى رخيصة ولمعانه مؤقّتًا لأنه عُرضة للتأكسد والصدأ.
٢- “الأتراس الفالصو” فكرة مَلِك قد نُهِب
لا نعرف بالضبط من هو الذي كان رائدًا لصناعة “الفالصو” لكن ما هو مؤكد أنها من زمن بعيد. الكتاب المقدس يذكر لنا حدثًا نفهم منه أن استبدال الذهب بالنحاس لخداع الناظرين، هي فكرة قديمة من آلاف السنين. الغريب في الأمر، أن الذي قام بذلك شابًا غنيًا كان وارثًا لثروة كبيرة وليس ذلك فقط، بل كان ملكًا وابنًا لأعظم وأغنى ملك في التاريخ. إنه « رحبعام» ملك يهوذا ابن سليمان الملك ووريث عرشه. يقول الكتاب: «فَصَعِدَ شِيشَقُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَأَخَذَ خَزَائِنَ بَيْتِ الرَّبِّ وَخَزَائِنَ بَيْتِ الْمَلِكِ، أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي عَمِلَهَا سُلَيْمَانُ. فَعَمِلَ الْمَلِكُ رَحُبْعَامُ عِوَضًا عَنْهَا أَتْرَاسَ نُحَاسٍ وَسَلَّمَهَا إِلَى أَيْدِي رُؤَسَاءِ السُّعَاةِ الْحَافِظِينَ بَابَ بَيْتِ الْمَلِكِ. وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَلِكُ بَيْتَ الرَّبِّ يَأْتِي السُّعَاةُ وَيَحْمِلُونَهَا، ثُمَّ يُرْجِعُونَهَا إِلَى غُرْفَةِ السُّعَاةِ» (٢أخبار١٢: ٩-١١). «وَعَمِلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ مِئَتَيْ تُرْسٍ مِنْ ذَهَبٍ مُطَرَّق، خَصَّ التُّرْسَ الْوَاحِدَ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل مِنَ الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ» (٢أخبار٩: ١٥).
بسبب خيانة رحبعام وتركه لشريعة الرب، صعد شيشق ملك مصر ونهب خزائن الملك وخزائن بيت الرب، وأخذ أتراس الذهب التي صنعها سليمان والتي تزن ١٢٠٠ كيلوجرامًا من الذَّهَبِ الْمُطَرَّقِ. هذه الأتراس - على الأرجح - كانت تُستخدَم في موكب التشريفة الملكية من بيت الملك إلى بيت الرب. قرر رحبعام أن يعمل أتراس التشريفة “فالصو” كي يخفي إفلاسه، بدلاً من أن يتوب ويتذلل أمام الرب، لكن كبريائه منعه من الإنكسار، وريائه دفعه أن يستبدل الأتراس الذهبية بأتراس نحاسية لامعة تشبه الأتراس المسلوبة تمامًا ليخدع بها أنظار الشعب ويتظاهر بأنه لم يخسر شيئًا.
٣- لا تستبدل ذهب الأصالة بنحاس التزييف أو التقليد
ما فعله رحبعام يمكن أن يقع فيه أي شاب مستهين وغير أمين في حياته مع الله، فيعطي فرصة للشيطان أن يسلب أثمن ما لديه، ويستبدل الذهب بالنحاس، عندما تمتزج قساوة القلب وعدم التوبة بالرغبة في الظهور بمظهر روحاني مُفتعل. عزيزي الشاب كن صادقًا واظهر بحجمك الحقيقي.
لا تستبدل ذهب “المباديء الإلهية الثمينة” بنحاس الأفكار السائدة بين الناس مهما كان رواجها .
لا تستبدل ذهب “المحبة القلبية” في عبادتك بأداء كالنحاس الطنان والصنج الرنان.
لا تستبدل ذهب “قوة الروح القدس” ببريق نحاس الافتعالات والتظاهر بالقوة.
لا تستبدل ذهب “اللطف المسيحي” بنحاس التكلُّف وتصنُّع المشاعر الرقيقة.
لا تستبدل ذهب “الصدق والصراحة” بنعومة نحاس المداهنة والتعبيرات المعسولة.
لا تستبدل ذهب “الوداعة واتضاع القلب” بنحاس كظم الغيظ وكتم المشاعر وروح التصاغر.
لا تستبدل ذهب “الفرح والتعزيات الحقيقية” بنحاس الابتسامات المصطنعة وكتم الأحزان الدفينة.
لا تستبدل ذهب “الغيرة المقدسة على مجد الله” بنحاس الانتماء الطائفي والتعصب لجماعتك.
عزيزي الشاب، لا تضحي بهذه الأمور الأصيلة الثمينة كالذهب، والتي يراها الله ويقدِّرها، من أجل أشياء أخرى رخيصة تجذب أنظار الناس في الزمان، ولا تنال من ورائها إلا انطباعات مؤقَّتة لكنها تعطِّل نموَّك الروحي لدى الرب وتخسر التأثير الحقيقي الذي يصنع تغييرًا يدوم بين الناس.
٤- إرعَ الأمانة، فالتقوى الحقيقية هي نعم الرصيد
عندما تكون مفلسًا روحيًا احذر من فخاخ الرياء والادعاءات البغيضة. وكن صادقًا أمام الرب أولاً وأمام إخوتك المؤمنين. ربما بسبب لهفتك وراء رغباتك الصارخة، أعطيت ظهرك للمباديء الإلهية، فنهب الشيطان أثمن ما عندك كالتمييز الروحي وبساطة القلب ومراعاة اعتبارات مجد الرب في الحياة. لا تفشل، ارجع للرب الآن، واعترف بأنك مسلوب ومغلوب باتضاع ودموع وتذلُّل، ولا تستحِ أن تقول للرب إنك فارغ ومتعب ومفلس. صلِّ أن تكون مخافة الرب متأصِّلة في قلبك، لأنه بقدر ما تعمل للرب حسابًا وترجو رضاه، بقدر ما تسمو فوق آراء البشر ويتحوَّل نظرك عن الأمور المؤقَّتة وتُقِّدر الأمور غير المنظورة التي لها بُعد أبدي. لا تعطي وزنًا للأمور في ضوء استحسانك أو العُرف السائد أو حتى سلوكيات المؤمنين من بني جيلك، مهما كان نجاحهم أو شهرتهم، لكن استخدم موازين كلمة الله النقية. عِش صادقًا بسيطًا وأمينًا في عدم رياء، ستنمو في النعمة وتنمو شهادتك ورضا الرب يكون تبرًا لك.