يوجد مثل شعبي شهير يقول “قالوا الجمل طلع النخلة... آدي الجمل وآدي النخلة”. وهذا المثل يُقال عندما يقول أحدهم معلومة مشكوك في صحتها، فيكون رد فعل المستمع هذا المثل، ومفاده أن يأتي المدّعي بالدليل والبرهان. وليس ذلك فقط بل يُفهم ضمنيـًا استحالة قبول أو تصديق هذه المعلومة. ولكن يا صديقي القارئ: هل تصدِّق فعلاً أن جملاً يصعد فوق شجرة؟
بحسب المقاييس البشرية والمنطقية، لا وألف لا.
ولكن بحسب المقاييس الإلهية نعم وألف نعم؛ لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع لدى الله.
وهذا ما أريد أن أوضحه الآن.
عندما جاء الشاب الغني إلى الرب يسوع يسأله عن كيف يرث الحياة الأبدية (لوقا١٨: ١٨)، سأله الرب عن الوصايا قائلاً «أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». فردّ الشاب «هذه حفظتها منذ حداثتي».
وكلمة “منذ حداثتي” في الثقافة اليهودية لها قصة ذات مغزى، فقد كانت تُلحق بالمجمع اليهودي مدرسة لتحفيظ الناموس، وكان اليهودي التقي المحافظ يحرص على أن يلتحق أولاده بهذه المدرسة. وكان الأطفال يلتحقون بها من سن أربع سنين حتى تسع سنوات، يكون خلالها قد حفظ الناموس كله. وبعد ذلك من بعد سن التاسعة حتى الثالثة عشر يتعلم في المدرسة عينها الشروحات الخاصة بالشريعة. ثم بعد ذلك يأتي أبوا الطفل ويسلمانه إلى معلمي الشريعة، الذين بدورهم يسألون الطفل (مثل امتحان الشفوي) وبعد ما يجتاز الامتحان، يقول أبوا الطفل لمعلمي الشريعة “ابننا من الآن مسؤول عن نفسه ونحن غير مسؤولون عنه في الأمور التي تتعلق بالشريعة من الآن فصاعدًا“.
ولهذه السبب عندما ذهب المسيح إلى الهيكل في سن ١٢ سنة، كان جالسـًا وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم (كطفل يهودي ذي أبوين تقيين). وأيضـًا أبوي المولود أعمى، عندما سألهم اليهود عن ابنهما كيف كسر السبت واغتسل في البركة قالوا «هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِه»، أي إنه مسؤول عن نفسه في الأمور الناموسية. لذلك كان هذا الشاب الغني قد اجتاز كل هذه الاختبارات وقال للرب “حفظتها منذ حداثتي”. ولكنه شعر في داخله أن كل هذه لم تُعطِه سلامـًا من جهة أبديته؛ فسأل هذا السؤال: «مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟». وعند هذه النقطة أُحيِّي هذا الشاب على صراحته مع نفسه؛ فرغم تدينه ومركزه الديني، لكنه لم يستطع أن يكتم صوت الارتباك النفسي داخله من جهة أبديته. وهنا أوجِّه رسالة لكل شاب متدين: هل تشعر بالسلام الحقيقي فعلاً؟
إذا كنت لم تشعر بالسلام الحقيقي؛ تعال للمسيح وقل له: ماذا أفعل؟
ولكن هذا الشاب، كما تُذكَر قصته في متى١٩ ومرقس١٠ ولوقا١٨، لم يكمل المشوار مع الرب يسوع للنهاية، لأن الرب فاجأه بالقول «يُعْوِزُكَ أَيْضًا شَيْءٌ: بعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». ولكن هذا الشاب الذي كان يحب المال صُدِمَ «فَلَمَّا سَمِعَ ذلِكَ حَزِنَ، لأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا جِدًّا»، وانصرف وهو حزين. فقال الرب يسوع قولته الشهيرة: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! لأَنَّ دُخُولَ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!». مما أثار تساؤل السامعين بسؤال استنكاري قائلين «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» وهنا تأتي الانفراجة من الرب قائلاً: «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».
ولكن هذا الحوار كله كان من الناحية النظرية. ولكننا نحتاج الآن إلى تطبيق عملي لكلام الرب النظري. أو السؤال بمعنى آخر: هل يستطيع الرب أن يُمَرِّر جمل من ثقب إبرة. نعم وألف نعم. وهذا يأتي بنا إلى أصحاح التالي مباشرة لهذه القصة، أعني لوقا١٩، نجد فيه جملاً كبيرًا يصعد فوق شجرة. هذا الجمل اسمه زكا. ويدخل هذ الجمل من ثقب الإبرة. هذا الجمل كان محمَّلاً بعدة أحمال:
١- كان من أريحا مدينة اللعنة.
٢- كان عشارًا أي عميلاً لقوات الاحتلال الرومانية.
٣- رئيس عشارين (رئيس عصابة الخونة).
٤- غنيـًا، ومحبة المال أصل لكل الشرور.
٥- قصير القامة (عائق شخصي).
٦- شجرة الجميز ملساء ليست سهلة التسلق.
كل هذه الأحمال أعطت لهذا الجمل حجمـًا أكبر على حجمه الطبيعي، وكانت كافية بمنعه من المرور من ثقب الإبرة. ولكن مع كل هذه الصعوبات طلب زكا أن يرى يسوع من هو.
ولكن لنرجع إلى قول الرب يسوع المسيح «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ». وفعلاً مَرَّ هذا الجمل من ثقب الإبرة، وطرح كل هذه الأحمال على من قال «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (متى١١: ٢٨).
عزيزي القارئ إذا كنت تشعر بثقل خطاياك أو همومك، أو أي موانع تمنعك عن التمتع بالحياة الأبدية، وتشعر فعلاً أن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من دخولك إلى الحياة الأبدية؛ هذا صحيح من الناحية المنطقية، ولكن دعني أقول لك خبرًا حلوًا: “فيه شخص يقدر يخلِّي الجمل يعدّي من ثقب الإبرة، ويقدر يخلّيك تتمتع بالحياة الأبدية.. بس انت تعال ليه وسيب الباقي عليه”.
سلام المسيح معاك