مريم يوسف شابة عراقية، جاءت وهي فتاة صغيرة مع والدتها وإخوتها، بعد سلسلة من الصعوبات، إلى نيوزيلندا، وكبرت فيها. تقابلت مع الرب يسوع كمخلِّص شخصي لحياتها في شبابها، وأحبته جدًا، وقررت من أول يوم لها أن تخدمه بكل طاقتها. لم تبحث عن الخدمات الضخمة، والأعمال الظاهرة، ولم تفكر يومًا أن تكون خادمة مشهورة. إنما أختارت أن تشهد عن الرب الذي غيَّر حياتها مع كل من تلتقيه، وأن تخدمه كثيرًا جدًا في الخفاء. حتى الآن تقابلتُ مع العشرات الذين حكوا لي كيف كانت تخدم خدمات كثيرة جدًا دون أن يعلم أحد بها.
انتقلت مريم للعيش في سيدني بأستراليا، واستمرت تخدم الرب بكل قوة هناك. وأذكر أمرًا حدث معي شخصيًا؛ يوم كتبت على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي عن قصة مؤلمة لأحد الفقراء، فوجدت مريم - ولم أكن قد التقيت بها - تكتب لي أنها تريد أن تُساعد ذلك الشخص، وغيره ممن يعانون فقرًا أو ألمًا. فأعطيتها طُرق للتواصل مع خدام يخدمون في هذا المجال، وبالفعل تواصَلت معهم، وقدَّمت كثيرًا جدًا لخدمة الفقراء والمحتاجين. رتَّب الرب أن ألتقي بها منذ عامين تقريبًا، أثناء وجودي للخدمة بأستراليا. ولا أنسى يوم أن التقيت بها فصافحتها قائلاً: إزيك يا مريم! فكانت إجابتها غير معتادة على مسامعي لكنها تركت أثرًا حقيقيًا لم أنسه منذ تلك للحظة، قالت: “فرحانة بالرب يسوع”. قالتها ووجها يشع فرحًا حقيقيًا لا تغفله العين. وبعدها رأيت أن مريم فعلاً كانت فرحانة بالرب يسوع.
طوال فترة الخدمة هناك، كانت مريم تملأ المكان بالبهجة. لم أرَها تبكي يومًا، أو حتى عابسة الوجه، دائمًا مبتسمة، تحكي مع هذا وذاك. تحتضن تلك الإخت، وتلعب مع الأطفال بكل انطلاق وفرح. قبل كل اجتماع كانت تكتب على صفحات التواصل الإجتماعي موعده وتدعو أصحابها وأقاربها للحضور. تشارك كل يوم بتأملأت كتابية رائعة. كانت تحمل كاميرتها كل يوم، وتذهب للفرص الروحية بكل الاجتماعات وتقوم بتسجيل الاجتماعات وتشارك بها أصحابها وكل من لم يستطع الحضور. مشغولة طوال الوقت بالنفوس البعيدة عن الله، خدمت كثيرين لم تكن تعرفهم معرفة شخصية. أعرف كثيرين اندهشوا جدًا كيف كان الله يستخدمها في الوقت المناسب جدًا معهم، لتشجيعهم وتعضيدهم، دون معرفة سابقة!
سمعت ترنيمة “حلو الإيمان” فقالت: سأتخذ هذه الترنيمة شعارًا لحياتي. وبالفعل أرسلت لي بعدها صورة للصفحة الأولى في كتابها المقدس، وقد كتبت فيه أجزاء من الترنيمة لتكون أمام عينيها كل يوم. عرفت بعدها أن الله كان يجهِّزها لتختبر حلاوة الإيمان الذي لا ينكسر، ولا يخبو أمام الصعوبات. يوم ٢٣ أكتوبر ٢٠١٥ كتبت مريم لزوجتي رينيه أنها علمت بأنها مصابة بنوع غريب من السرطان، وتطلب الصلاة لأجلها. كان الأمر صادم لنا. اتصلنا بها، سألتها: مريم، إيه أخبارك؟ فأجابتني بذات الإجابة: “فرحانة بالرب يسوع”. ثم أخذت تحكي لي كيف أنها وجدت طبيبها الذي يعالجها مؤمنًا بالرب يسوع ففرحت جدًا وقرَّرت أن تخدم معه أثناء فترة علاجها. وقالت لي: حتى إن شفاني الرب فسوف أذهب لمشاركة هذا الطبيب خدمته مع المرضى، والمحتاجين للرب يسوع. كانت تتحدث بذات الفرح، لم أشعر حتى أنها تحاول أن تُخفى أحزانها، أو تتظاهر بهذا الفرح. كانت كلماتها وأفراحها حقيقية. وأرسلت لنا صورتها وهي في المستشفى مع الطبيب المعالج، بذات الإبتسامة الواسعة. كانت تشاركنا دائمًا بأخبارها؛ تمجِّد الله في كل كلمة تكتبها، لم تسأل يومًا: لماذا؟ ولم تتذمر يومًا لمعاناتها. لم تكن تطلب إلا الصلاة. في كل مرة تكتب لنا كانت تقول إن المرض انتشر في جزء آخر من الجسم، ومع هذا كانت في كل صورة تزداد ابتسامتها أتساعًا. أعلم جيدًا أنها كانت تعاني مما أصابها، وأنها كانت تقضي ساعات وليالٍ في البكاء، لكنني أعلم أيضًا أن الرب الذي كانت تحبه وفرحانة به، لم يتركها لحظة. كان سندًا لها وملجأ في وقت الضيق، كان رفيقًا لها في رحلة الألم، والتعب، والمخاوف. اختبرت قول الكتاب «جَعَلْتَ سُرُورًا فِي قَلْبِي أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِهِمْ» (مزمور٤: ٧). بل واختبرت أنه معه وحده شبع السرور (مزمور١٦: ١١).
يوم ١٣ أبريل شغلنا الرب بها جدًا في الصلاة، فصلينا لأجلها، وأرسلنا نسأل عن أخبارها، فلم تجِب. كتبت لاثنين من أخواتنا بسيدني لأسأل عن الأمر؛ فكانت إجابتهم واحدة: “مريم في اللحظات الأخيرة لها”. يوم ١٥ أبريل استيقظنا على صورتها تملأ صفحات التواصل الإجتماعي لتعلن وصول مريم للسماء. وبعدها بساعات كتب أخوها أن مريم تطلب من الجميع أن يرتدوا زيًا أبيضًا أثناء حضور جنازتها. لم تكن مريم تتظاهر بالفرح، ولم يكن اختبارها تمثيلية. إنما كانت أعظم شهادة عن الفرح الحقيقي الذي يعطيه الرب يسوع لكل من يؤمن به. ظلت طوال حياتها تعلن أنها “فرحانة بالرب يسوع”، وفي آخر مشهد لها على الأرض كانت تريد من الجميع أن يشاركوها فرحتها به. كانت في غربتها هنا فرحانة بالرب يسوع، وهي الآن فرحتها لا توصف به. قلت لزوجتي فور أن سمعنا الخبر: مريم الآن “فرحانة بالرب يسوع”. لقد تحققت كلماتها على أكمل وجه؛ فهنيئًا لها بالرب يسوع، وهنيئًا لها بالأبدية السعيدة.
أخي، أختي.. هل أنت فرحان؟ تُرى هل وجدت الفرح الحقيقي، أم أنك ما زلت تبحث عنه؟ هل تشعر أنك تجري وراء فرحة زائفة؟ كلنا اختبرنا تعب البحث عن السعادة، ومنا من طال به البحث؛ ومنا من لا يزال يبحث؛ ومنا من وجدها بالفعل وأمسك بها، كما فعلت مريم. دَعْك من الخداع والزيف الذي يحيط بك في كل مكان في هذا العالم، صدقني لا توجد فرحة حقيقية في العالم من حولك، فكل من قرَّر أن يتبع شخصًا أو أمرًا غير الرب، لن يختبر إلا الضيق والحزن والأوجاع، حتى وإن توفرت لديه كل وسائل الفرح والراحة. «تَكْثُرُ أَوْجَاعُهُمُ الَّذِينَ أَسْرَعُوا وَرَاءَ آخَرَ» (مزمور١٦: ٤).
مريم كانت شهادة واضحة لعمل الله الحقيقي في حياة المؤمنين، فلمَ تؤجِّل إيمانك به، ولمَ تحرم نفسك من الفرح الحقيقي الذي يعطيه الله لكل من يؤمن به. تعال إليه الآن لتختبر فرحًا حقيقيًا، وراحة، وسعادة أنت تبحث عنهم منذ وقت طويل بلا جدوى. تعالَ واهتف من أعماق قلبك مع مريم: “فرحان بالرب يسوع”.
حلو الإيمان مليان تحدي مهما يعدي
في ضيقات ما يحنيه كسر
ده مهما هيِّج الريح مخاوفه وشد عصفه
ما يثني عزم النسر
أصل الإيمان هو الإيقان ورجاء يحلي الصبر
ينقل جبال يصنع مُحال يطلب ينال الأمر