إحترام قوانين ومبادئ الله
“عايزين الله يبقى على مزاجنا”!! نرغب أن نتمتع به كإله كل نعمة الغافر المحب، والذي يستجيب لنا عندما ندعوه، ونحب أيضًا أن نستمع إلى العظات التي تبيِّن ما يعطيه لنا، لكننا (للأسف) لا نميل أن نعرفه كإله الترتيب والنظام، صاحب المبادئ السامية والقوانين الراقية التي لا ينبغي أن نتعداها!! فإن كان الله هو إله كل نعمة، فهو أيضًا القدوس الذي يحكم بغير محاباة!!
وما أبعد الفارق بين من يحترم مبادئ الله ومن يستخف بها. فيوسف رفض التعدّي على مبادئ الله قائلاً «فَكَيْفَ أَصنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟». بينما داود بعد أن أخذ امرأة غيره وقتل زوجها يقول باستخفافً «لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ»، مستهينًا بقانون الله!! والنتيجة أن الرب أكرم الأول جدًا وعوقب الثاني بشدة!!!
تقدير واحترام مبادئ وقوانين الله فضيلة نحتاج إليها جميعًا، غابت عن كثيرين في أيامنا، فصار كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه!
هل الله له قوانين ومبادئ؟
نعم فهو الكامل، وهو أيضًا علّة الوجود كله، وهذا يعني أن كل قانون وكل انضباط ونظام نابع منه، سواء في إدارة الكون، أو في علاقته مع البشر، أو علاقة البشر بعضهم لبعض. دعونا نلقي بعض الضوء عليها:
١. مبادؤه لا تتعارض معًا: فإن كان الله هو إله كل نعمة المكتوب عنه «تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبعُ كُلَّ حَيٍّ رِضًى»، وأيضًا «لَمْ يَصنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا»، فهو أيضًا المكتوب عنه «لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ» (مزمور١٤٥: ١٦؛ ١٠٣: ١٠؛ ١١: ٧).
٢. الله وضع المبادئ الأخلاقية: فقيل عنه «عَيْنَاكَ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ» (حبقوق١: ١٣)، وأيضًا وضع سلسلة جميلة من المبادئ الأخلاقية التي تجعل من الإنسان شخصًا راقيًا. اقرأ معي تلك الوصايا والمبادئ التي أعطاها الرب لموسي في خروج٢٠ «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ». إن كان الإنسان في الناموس لم يستطع أن يعمل واحدة من هذه المبادئ، جاء الرب يسوع وأعطى كل من يؤمن به طبيعة إلهية تعمل كل ما يرضيه.
٣. الله والقوانين الكونية: فالله يدير الكون بنظام شديد الدقة هو «الآمِرُ الشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ، وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ، الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ، وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ» (أيوب٩: ٧، ٨)؛ وإلا فكيف يُدار هذا الكون الفسيح الذي تسير كواكبه ومجرَّاته بنظام فلكي معقد للغاية؟!
٤. الله هو من نظم العلاقات البشرية: لم يترك الله للبشر “الحبل على الغارب” - كما يقولون - ليفعل كل واحد كما يشاء بالآخر!! فوضع مبادئ التعامل مع الأكبر سنًا بالاحترام، ومع الوالدين بالإكرام، ومع الجنس الآخر بالعفة والنقاء والشرف، وللسلاطين والولاة بالخضوع... وهكذا.
٥. عرَّفنا مبادئه في كلمته: «إسْمَعْ... الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَتَكَلَّمُ بِهَا فِي مَسَامِعِكُمُ الْيَوْمَ، وَتَعَلَّمُوهَا وَاحْتَرِزُوا لِتَعْمَلُوهَا» (تثنية٥: ١).
أهمية مبادئ وقوانين الله وكيفية تقديرها
افترض أتك كنت عند تقاطع طرق، وكانت الإشارة لا تعمل ولا يوجد رجل مرور ممسكًا بدفتر الغرامات، هل تستطيع أن تصف لنا هذا المشهد؟ فبكل تأكيد أراد كل واحد أن يعبر التقاطع بسيارته قبل الآخر، فتشابكت السيارات، وتداخلت الإتجاهات، وتعطلت الطرقات، وعلت الصيحات!!
١. الله الحكيم العليم وضع مبادئ وقوانين وإشارات ضوئية حتى لا تصطدم الخليقة كلها بعضها ببعض. وبدون هذه القوانين الكونية تستحيل الحياة إذ يتحول الكون إلى فوضى مرعبة. يقول الوحي «وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ» (أمثال٨: ٢٩)، ووضع الله أيضًا نظامًا دقيقًا جدًا لدوران الكواكب في أفلاكها (أيوب٣٨: ٣١، ٣٢).
٢. الخليقة غير العاقلة، كلها تسير خاضعة طائعة لهذا النظام الإلهي الدقيق، فتجد الكون كله في انسجام وتناغم معًا. فمثلاً تدور الأرض حول الشمس في دقة متناهية ينتج عنها تعاقب الفصول الأربعة بانتظام وتتابُع الليل مع النهار بانسجام، وفي النهاية تحدِّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه.
٣. ولسلامتنا وخيرنا كبشر بصفة عامة، وكمؤمنين بصفة خاصة، قدَّم لنا الله الإرشادات والنصائح، ونحن نسير في درب لم نسلكه من قبل (أيوب٢٨: ٧)، فمرة يقدِّم لنا النصيحة كقوله «طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِرًا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظًا قَوَائِمَ أَبْوَابِي» (أمثال٨: ٣٤)، ومرة أخرى يحاول أن يمنعنا من الضياع «هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا» (هوشع٢: ٦).
٤. لكن هناك من يقدِّر هذه المبادئ فيصلي قائلاً «عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ. أَسْلُكْ فِي حَقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ» (مزمور٨٦: ١١)، وبالتالي يحصد بركة «أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ» (أمثال١: ٣٣). وهناك من يتمرد على قوانين الله فينكسر «وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال٨: ٣٦).
٥. قد يكون تقديرنا واحترامنا لمبادئ الله أمرًا مكلفًا وليس سهلاً!! فيوسف بالتزامه لمبادئ الله، من ناحية القداسة وعدم الزنى، وأيضًا باحترامه للمبادئ الإنسانية الراقية، وذلك بعدم خيانة الرجل الذي إئتمنه على بيته وعرضِه؛ كلَّفه هذا أن يُلقى في غياهب السجن لسنتين!! لكن الله الأمين الكريم الذي وعد بالقول «حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي» (١صموئيل٢: ٣٠) أكرمه وبسط له لطفًا داخل السجن، بل وجعله مسلَّطًا على كل أرض مصر.
إخوتي الأحباء ما أحلى مبادئ الله لنفس كل مؤمن مولود من الله، وما أروع أيضًا العمل بها، ليس رعبًا من الله بل حُبًا له «فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً» (١يوحنا٥: ٣).
وكم يشبع قلب الله أبينا بتقديرنا لأموره ومبادئه وطرقه، كما أن هذا أيضًا يجنِّبنا مصائب كثيرة كقول الحكيم سليمان «مَخَافَةُ الرَّبِّ يَنْبُوعُ حَيَاةٍ لِلْحَيَدَانِ عَنْ أَشْرَاكِ الْمَوْتِ» (أمثال١٤: ٢٧). وما أروع الكلمات التي يختم بها الروح القدس صفحات الإنجيل «طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ» (رؤيا٢٢: ١٤). فهل أنا وأنت من هؤلاء؟!
وللحديث بقيه