إعتاد خادم الرب “إيليا موريس”، وهو خادم ومرسل مصري يقيم في ألمانيا، أن يستثمر الوقت الذي يقضيه في سيارته أثناء توجهه إلى مكتب خدمته - على بُعد ٤٠ دقيقة من بيته - في الصلاة لأجل النفوس الهالكة، وأن يؤيده الله بقوة روحه القدوس في الخدمة مع كل من يتعامل معه. وفي ذات يوم جال بباله خاطر وهو: أن يقوم بتوصيل مَن يجده في طريقه ويحتاج لوسيلة مواصلات وخاصة لغير القادرين، وبذلك يكون قد قدَّم مساعدة إنسانية مغلَّفة بمحبة المسيح العملية مع تقديم رسالة الإنجيل المفرحة والمحررة.
من ضمن الكثيرين الذين شارك معهم الإنجيل، كان ذلك الشاب: مارك، الذي قست عليه ظروف الحياة، مما أصابه باليأس الشديد بسبب عدم توافر فرصة عمل لوقت طويل بعد تخرجه من كلية الهندسة، بالرغم من طرقه لأبواب كثيرة بحثًا عن لقمة العيش. ومن ضمن محاولاته هذه كان ذلك اليوم الذي تقابل فيه مع صديقنا الخادم. أثناء لقاءهما، بشَّره بيسوع، حتى وصلا إلى نقطة الإفتراق، فصلى له الخادم وتمني له حظًا أوفر في المرحلة القادمة من حياته، ثم ودَّعه وأعطاه نبذة ليقرأها في نهاية يومه. مرت الأيام والسنين، واستمر إيليا موريس في خدمته هذه، واستطاع من خلالها أن يصل برسالة الإنجيل للكثيرين.
وفي ذات يوم هبَّت موجة ثلجية شديدة أثناء سيره، أدت إلى تعطل الكثير من السيارات بسبب برودة الجو وتساقط الثلج. فاقترب لواحد منهم وعرض عليه أن يساعده ويوصله في طريقه إلى أقرب ميكانيكي. وكالمعتاد، استغلَّ الفرصة في الحديث عن المخلِّص وعظمة خلاصه. لكن كان رد الفعل مختلفًا هذه المرة، إذ طلب الراكب منه أن يتوقف بسيارته على جانب الطريق، ليستمع ويركز أكثر. لكن أثناء جريان الحديث، طلب منه أن يتوقف لحظة ليخرج من حافظة نقوده ورقة صغيرة وأراها لإيليا، وقال له: “هل يمكنك أن تخبرني بمحتوى هذه الورقة؟” فأدرك إيليا أنها نبذة مسيحية. ثم فاجئه قائلاً: “اسمي مارك، وقد أعطيتني هذه النبذة على نفس هذا الطريق منذ ما يقرب من ٢١ سنة مضت، وقد استخدمها الله لتغيير مجرى حياتي بالكامل إذ قبلت المسيح كمخلص شخصي لي. ومن كثرة إعجابي بها، احتفظت بها كل هذه السنين”. ثم أردف مارك قائلاً: “كنت أصلي إلي الله طالبًا أن التقي بك يومًا لأشكرك على أعظم هدية قدمتها لي”. ففرح إيليا فرحًا شديدًا وعانقه، وشكرا الرب معًا من أجل العاصفة التي سمحت بهذا اللقاء بعد كل هذه السنين!!
عزيزي القارئ، لقد تأثرت كثيرًا بهذه القصة عندما حكاها لي رجل الله المبارك. وقد حفرت في كياني٣ دروس أساسية أريد أن أشاركك بها قارئي العزيز:
١- قوة الإنجيل الثمين
لقد وثق "إيليا" أن لكلمة الله قوة وتأثير في النفس البشرية «لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين٤: ١٢). وهذا ما أكده إرميا في نبوته «أَلَيْسَتْ هكَذَا كَلِمَتِي كَنَارٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَكَمِطْرَقَةٍ تُحَطِّمُ الصَّخْرَ؟» (ارميا٢٣: ٢٩). ورسالة الإنجيل تحمل أحلى الأخبار للإنسان المُحبَط والفاشل، المريض والعاجز «أرسل كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ، وَنَجَّاهُمْ مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ» (مزمور١٠٧: ٢٠).
عزيزي، إن كلمة الله، “الإنجيل”، هي اسمى كلام للأذان أن تسمعه. فكلمة الله هي أقوال الله نفسه. لذا دعنا نفتخر مع بولس الرسول «لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رومية١: ١٦).
٢- إكرز بالكلمة في كل حين
لقد استثمر رجل الله الوقت أثناء ذهابه إلى عمله، والفُرص المتاحة والإمكانات المتوفرة، في توصيل رسالة الإنجيل والكرازة بالكلمة عملاً بالوصية: «اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ» (٢تيموثاوس٤: ٢).
فالمشاركة برسالة الإنجيل لا تُحَدًّ بالزمان أو المكان، فقد تكلم بها بولس وسيلا على ضفاف النهر فربحا ليديا وأهل بيتها (أعمال١٦: ١١–١٥)، وتكلما بها في السجن فربحا السجان وأهل بيته (أعمال١٦: ٣١-٣٢)، بينما بشر فيلبس الخصي الحبشي وهو في مركبته على طريق عودته إلى بلده «فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ» (أعمال٨: ٣٥)، أما بطرس فكرز للجموع وربح ٣٠٠٠ نفس دفعة واحدة. هكذا فعل المسيح وهكذا يفعل محبيه «كان يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ» (متى٩: ٣٥).
قارئي العزيز، هل تحرص على المشاركة برسالة الإنجيل والخبر السار أم تختلق الأعذار؟!
٣- سيأتي الثمر، ولو بعد سنين
ينصحنا حكيم الحكماء سليمان «ارم خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ» (جامعة١١: ١) والخبز الذي بين أيدينا جليل وعظيم، إنه خبز الحياة، ربنا يسوع المسيح، الذي قال عن نفسه: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ» (يوحنا٦: ٣٥).
قارئي العزيز، ما أقيم المشاركة برسالة الإنجيل مع الآخريين: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ» (رومية١٠: ١٥). إنها رغبة الرب في أن نكون دائمًا مثمرين «ليْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنا١٥: ١٦). وما يشجعنا وعد الرب الصادق والأمين «هكذا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء٥٥: ١١).
صلاة
ربي يسوع: مشتاق أن تملأ قلبي بحبك الثمين،
فأحب من اشتريتهم بدمك الكريم،
وأكرز بإنجيلك لكل خاطئ أثيم،
ساعدني لأعمل في كرمك في كل حين،
وأنقذ الممدودين للهلاك للعذاب في نار الجحيم،
فأربح النفوس ويا له من قرار حكيم وفيه ربح كثير وعظيم.