في العدد السابق رأينا أعظم مُعلم وهو يعطينا درسًا عمليًا عن الوداعة، درسًا لا لكي نقرأه بل لكي نعيشه. ورأينا كيف عاش هو - له المجد - حياة الوداعة في علاقته بالله وبالناس، بدأً من ميلاده في المذود وحتى دخوله لأورشليم وديعًا راكبًا على أتان. وبنعمة الرب سنتتبع خطوات هذا المُعلم وهو يشرح لنا كيف تكون الحياة المسيحية، يشرحها لا بدروس نظرية، بل ببيان عملي يفهمه الجميع.
البيان الثاني: الطاعة
الطاعة هي العلاقة التي يجب أن تكون بين الإنسان والله. فالله أعلن عن نفسه عن طريق كلمته - الكلمة المتجسد المسيح والكلمة المكتوبة الكتاب المقدس – وواجب الإنسان أن يسمع. وكثيرًا ما يعبِّر الكتاب عن الطاعة بالسمع، وعن العصيان بعدم السمع «فَلَمْ يَسْمَعْ شَعْبِي لِصَوْتِي، وَإِسْرَائِيلُ لَمْ يَرْضَ بِي. فَسَلَّمْتُهُمْ إِلَى قَسَاوَةِ قُلُوبِهِمْ، لِيَسْلُكُوا فِي مُؤَامَرَاتِ أَنْفُسِهِمْ. لَوْ سَمِعَ لِي شَعْبِي، وَسَلَكَ إِسْرَائِيلُ فِي طُرُقِي» (مزمور٨١: ١١–١٣).
آدم؛ الطاعة والعصيان: الحسم في تقرير مصير كل إنسان نراه في عصيان آدم الأول وطاعة آدم الأخير. هذا ما يكتبه الرسول بولس «لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا» (رومية٥: ١٩). فمعصية آدم تظهر في عدم سماع صوت الرب الذي أوصاه بعدم الأكل من الشجرة.
لكن لنعود للطائع الأعظم ونرى البيان العملي لطاعته: «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي٢: ٥–٨). أراد بولس أن يعلِّمنا كيف نعيش بالتواضع ونقدِّر الآخر ونحسبه أفضل من أنفسنا ونتحرر من روح العُجب ولا ننظر إلى ما هو لأنفسنا. ولإيجاد هذا يوجِّه نظرنا إلى المسيح، إذ يعطينا صورة جميلة للتواضع. إذ اتخذ الرب يسوع طريقه من أعلى نقطة في المجد إلى عار الصليب. ويدوِّن لنا هذا في سبع خطوات نذكرها فقط: ١. المعادل لله أخلى نفسه، ٢. أخذ صورة عبد، ٣. صار في شبه الناس، ٤. وضع نفسه، ٥. أطاع، ٦. أطاع حتي الموت، ٧. موت الصليب.
هذا الفكر - فكر الاتضاع - إن تعلَّمناه سنجد فيه علاج لكل تحزُّب وخصام وانقسام وسوء فهم.
طاعة المسيح وارتباطها بالكلمة: من ولادته وحتى موته كان حافظًا للناموس ومتمِّمًا لمشيئة الله. فوُلد في بيت لحم اليهودية كما هو مكتوب (ميخا٥: ٢)، وحياته كانت بحسب مشيئة الذي أرسله (يوحنا٤: ٣٤)، ثم مضى لموت الصليب كما هو مكتوب عنه أيضًا (متى٢٦: ٢٤).
طاعة المسيح وارتباطها بالآخرين: ظهرت طاعته، ليس لله فقط، بل للناس أيضًا. فقد أطاع والديه «وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا» (لوقا٢: ٥١)، وللسلطات عندما قال «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ» (مرقس١٢: ١٧).
البيان وحياة الإيمان: بعد أن رأينا البيان العملي لطاعة السيد. وهو الكائن لكي يُطاع من خلائقه. لكنه تعلَّم الطاعة وعلَّمها لنا. ولنلاحظ جيدًا أن طاعة المسيح، والتي علّمها لنا، تختلف عما يسميه الناس “طاعة”. فالعبد يطيع مضطرًا، خوفًا من عقاب سيده. والموظف يطيع ليحصل على راتبه لا حبًا في عمله. والابن يطيع والديه خوفًا من العقاب، وحبًا في الثواب. أما نحن المؤمنين فلم نتعلم المسيح هكذا. ذاك الذي ترك لنا مثالاً لنتبع خطواته.
درس للأولاد: «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ» (أفسس٦: ١)، كما أطاع المسيح والديه حسب الجسد.
درس للمؤمن في طاعته للمرشدين: «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا» (عبرانيين١٣: ١٧). مع ملاحظة أن الكنيسة لم تأخذ سلطان مطلق لتتصرف بالاستقلال عن الرب وكلمته. بل تمارس أحكامها في ضوء كلمة الرب، والسماء بالتالي تصادق.
درس للكنيسة: «تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ» (أفسس٥: ٢٤)؛ لأنه رأسها كما خضع المسيح - كإنسان - لله لأنه رأسه (١كورنثوس١١: ٣). فالكنيسة لا تسنّ شرائع ولا تضع قوانين. بل مركزها هو الخضوع لكل تعاليم الرب. ولو كانت قد فعلت ذلك من البداية لما انقسمت إلى طوائف ولا فشلت في الشهادة.
درس للنساء: «أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ... كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ» (أفسس٥: ٢٢–٢٤).
درس للجميع والخضوع للسلطات المدنية: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ» (رومية١٣: ١).
هذه بعض أوجه الطاعة المسيحية التي علَّمنا إياها المسيح. مع ملاحظة أنه إذا حدث تعارض مع كلمة الله فهنا «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ» (أعمال٥: ٢٩).
والخلاصة: الطاعة هي شيء حتمي لتكون طابع الحياة المسيحية. الطاعة لها كلفتها «الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟» (يوحنا١٨: ١١). ولها أيضًا مكافأتها وبركاتها. فعن المسيح: «لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ» (فيلبي٢: ٩–١١). وكما قال أليهو: «إِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِالْخَيْرِ وَسِنِيهِمْ بِالنِّعَمِ» (أيوب٣٦: ١١).
ولكن احذر من أضرار عدم الطاعة «وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ» (تثنية٢٨: ١٥)، ولو قرأت بعد هذا الكلام ستجد أكثر من ٥٠ لعنة تنتظر من لا يطيع كلمة الرب.
أخي القارئ: إن كنت من المؤمنين بالمسيح، ليتك تتعلم هذا الدرس وتكون كلمة الله هي القاعدة لكل حياتك، والمسيح هو المثال لك. وإن كنت لم تعرفه بعد، فليتك تطيع كلمته فتنال الخلاص «وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ» (عبرانيين٥: ٩).