قرَّرت الأرض فجأة أن تستقل بذاتها، وتصبح سيد قرارها!! فأعلنت استقلالها عن تبعيتها للشمس والدوارن حولها، بل وعقدت العزم بعدم الالتزام بجاذبية الشمس مرة أخرى.
هذا ما تخيلته قارئي العزيز وأنا أكتب هذا المقال!! وأخذتُ أفكِّر: ماذا سيكون مصير هذا الكوكب المسكين، وماذا سيصيب الخلائق التي تعيش فيه؟ أدركت عزيزي أنه لن تمر دقائق قليلة عقب ابتعادها عن الشمس، إلا ويحل الظلام وتسري البرودة على سطحها، بل وسيسري الموت حتمًا إلى جميع كائناتها، ويُكتب لهذا الكوكب التيهان والضياع في فضاء الكون الفسيح الذي لا نهاية له!! والسبب أن الأرض قرَّرت الخروج عن القانون الإلهي الذي وضعه الخالق لحمايتها والحفاظ على كينونتها!!
عزيزي هل تدرك معي خطورة الخروج عن المبادئ والقوانين الإلهيه، التي وضعها، لحماية وصون حياتنا، المحب الحكيم الله القدير؟!
وهذا ما نستعرضه سويًا من خلال تاريخ بعض الدول والممالك، ونتأمل ما حدث لها ولحكامها عندما لم تحترم مبادئ الله.
أولاً: شعب إسرائيل كمثال
في سفر التثنية ٢٦-٢٨، توصيات خاصة من الرب لشعبه على فم موسي، موضحًا لهم بركات احترامهم لمبادئ الله وخطورة أهمالها، وإليك بعض هذه العبارات:
١. ما هو المطلوب؟ «قدْ أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَعْمَلَ بِهذِهِ الْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ، فَاحْفَظْ وَاعْمَلْ بِهَا مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ» (تثنية٢٦: ١٦).
٢. ما هي الكرامة التي تنتظرهم إن أطاعوا؟ «يَجْعَلَكَ مُسْتَعْلِيًا عَلَى جَمِيعِ الْقَبَائِلِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي الثَّنَاءِ وَالاسْمِ وَالْبَهَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ شَعْبًا مُقَدَّسًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ» (تثنية٢٦: ١٩). وهذا فعلاً ما أعطاهم الرب إياه، بل وشهد به الأعداء عن شعب الله فلقد قال سكان أريحا «سَمِعْنَا فَذَابَتْ قُلُوبُنَا وَلَمْ تَبْقَ بَعْدُ رُوحٌ فِي إِنْسَانٍ بِسَبَبِكُمْ» (يشوع٢: ١١).
٣. ما هي الخطورة لتركهم مبادئ الله؟ «يُبَدِّدُكَ الرَّبُّ فِي جَمِيعِ الشُّعُوبِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا»، والسبب «لأَنَّهُمْ تَرَكُوا عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِهِمِ... وَذَهَبُوا وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى وَسَجَدُوا لَهَا... فَاشْتَعَلَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ» (تثنية٢٨: ٦٤؛ ٢٩: ٢٥-٢٧).
٤. وتُرى ماذا حدث لهم؟ لم يحترموا الله ولا مبادئه، فتم سبيهم دفعة إلى بابل وأخرى إلى أشور، ثم أشفق الرب عليهم وأرجع منهم لأرضهم. ثم جاء إليهم المسيح الملك «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ»، فصلبوه وقالوا «لاَ نُرِيدُ أَنَّ هذَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا... اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ.. دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا»، والنتيجة المريرة، تم تدمير هيكلهم المقدس وتشتتوا بين الشعوب والأمم حتى يومنا هذا. نعم الأرض خرجت عن مدارها، يا للهول وهذا الشعب أيضًا «رَفَضَ الإِلهَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَغَبِيَ عَنْ صَخْرَةِ خَلاَصِهِ» (تثنيه٣٢: ١٥).
ثانيًا: مثال آخر من بعض الممالك القديمة
من يقرأ التاريخ يرى بوضوح هذه الحقيقية: إن احترام مبادئ الله، يجلب الكرامة والرضا الإلهي، والعكس صحيح. وسآخذ مثالين من تلك الممالك القديمة:
١. سدوم وعمورة: ما أجمل هذه الديار، من الناحية الطبيعية، بخضرتها وماؤها وجبالها، وصفها لوط قائلاً «جَمِيعَهَا سَقْيٌ... كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ» (تكوين١٣: ١٠). لكن هذه البلاد قرَّرت أن تدوس مبادئ الله الأخلاقية، وأنغمست في خطايا كثيرة أشهرها كان الشذوذ الجنسي. ولشفقة الرب بهم أرسل ملاكان برسالة خطيرة «لأَنَّنَا مُهْلِكَانِ هذَا الْمَكَانَ» (تكوين١٩: ١٣). لكن وأسفاه، تطاول سكانها جدًا على الله ومن أرسلهم، فقرر الله هلاكهم. ويصف الرسول بطرس هلاكهم موضحًا السبب قائلاً «وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا» (٢بطرس٢: ٦).
٢. الأمبراطورية البابلية: واحدة من أضخم الإمبراطوريات الأربع التي عرفها التاريخ، قيل عن ملكها «وَلِلْعَظَمَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ إِيَّاهَا كَانَتْ تَرْتَعِدُ وَتَفْزَعُ قُدَّامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ» (دانيال٥: ١٩). لكن هذه الأمبراطورية انهارت بعد أن تطاول ملوكها على الله ولم يستمعوا لتحذير الل «فَإِنَّ مَمْلَكَتَكَ تَثْبُتُ لَكَ عِنْدَمَا تَعْلَمُ أَنَّ السَّمَاءَ سُلْطَانٌ» (دانيال٤: ٢٦). فمنهم من صنع تمثالاً وطلب الجميع بالسجود له، وتطاول على الله بالقول «وَمَنْ هُوَ الإِلهُ الَّذِي يُنْقِذُكُمْ مِنْ يَدَيَّ؟» (دانيال٣: ١٥). وابنه أيضًا أخذ آنية بيت الرب ليشرب فيها خمرًا في تحدٍ آخر لله!! فقرَّر الله إنهاء هذه المملكة بعد تاريخ حافل من الإنتهاك المتزايد لمبادئ الله «فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكَلْدَانِيِّينَ، فَأَخَذَ الْمَمْلَكَةَ دَارِيُّوسُ الْمَادِيُّ» (دانيال٥: ٣٠).
آه.. مرة أخرى نعود لتشبيهنا الأول: لقد خرجت الأرض عن تبعيتها للشمس فجلبت الدمار لنفسها! وهذا ما حدث لتلك الممالك، فلقد قال إلهنا العظيم «وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال٨: ٣٦).
ثالثًا: مثال آخر من الدول الأوربية الحديثة
عندما نتأمل الدول الأوربية وسبب ازدهارها وتقدمها نلاحظ أمرين:
١. لقد مرَّت على أوروبا عصور حالكة الظلام، مليئة بالجهل والظلم والفساد، أطلق عليها المؤرخون “العصور المظلمة”. ثم جاء عصر النهضة والأصلاح، والذي أبتدأ بالنهضة الروحية وانتشار نور الإنجيل في ربوع أوروبا المختلفة. فوُضعت الدساتير المبنية على أقوال الإنجيل ومبادئه. وكان نتيجة لرجوع البلاد لله، عمَّت نهضة ثقافية واقتصادية كل البلدان، وتوالت الإكتشافات الطبية والصناعية والعلمية، وأزدهرت الفنون والهندسة المعمارية في كل من دول إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا. وأصبحت هذه الدول مصدر بركة وتنوير لكل دول العالم، خرجت منها الأرساليات المسيحية التبشيرية والطبية، والاهتمام بفقراء العالم؛ فكانت أوروبا سبب بركة ونهضة روحية وعلمية لكل ربوع العالم.
٢. لكن ماذا حدث الآن معها؟! لقد قرَّرت معظم تلك الدول الابتعاد عن الله وهجر الإنجيل. بل تبنت أوروبا أفكار عالميه شيطانية إباحية معادية لمبادئ الله، فقننت الشذوذ بكل أشكاله، والإلحاد بكل طرقه. وهجر الناس عبادة الله وقلّ العابدين في الكنائس، وأصبحت الكنائس مزارات سياحية فقط! والنتيجة تدهورت الحالة الإقتصادية لمعظم دول أوروبا، وضربها الأرهاب بلطمات قوية ضربة تلو الأخرى، ودولة بعد دولة!
وهذا ما جعل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل - في حديثها بجامعة بيرن السويسرية مؤخَّرًا - تدعو مسيحي أوروبا بالرجوع مرة أخرى للمسيحية الحقيقية والكتاب المقدس لتفادي الدمار الذي يزحف على أوروبا.
يا ليتك يا نفسي تتعلمين هذا الدرس! الدرس القديم الجديد: إحترام الله ومبادئه، لخيرك وسلامك وأمانك. فهذا ما أعلنه إلهك المحب «عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ... فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ رِزْقًا وَأَمْلأُ خَزَائِنَهُمْ... وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال٨: ١٨، ٢١، ٣٦).