تحركت مشاعر كثير من المصريين بمجرد الإعلان عن قصة الطفل “أحمد فؤاد مرعي” الذي خاطر بحياته مسافرًا في عرض البحر المتوسط لمدة ٣ أيام في قارب مطاط، مع مجموعة كبيرة من الشباب في هجرة غير شرعية إلى إيطاليا. حتما عانى خلالها الكثير من الأخطار والتحديات من أمواج البحر وشدة رياحه، وظلام الليل وقسوته بل ووحشته، ناهيك عن الجوع وسخرية الكثيرين من الشباب والرجال الذين معه بسبب صغر سنه الذي لم يتعدَّ ١٣ عام!!
بمجرد وصول القارب إلى الشواطئ الإيطالية في فجر يوم الجمعة ١٩/٨/٢٠١٦ تم القبض على كل من فيه للتحقيق معهم. وعندما أتى الدور عليه، حكى أحمد قصته ومغامرته للسلطات الإيطالية قائلاً:
“أنا من محافظة كفر الشيخ بمصر، سني ١٣ عام، لي أخ أصغر مني اسمه أشرف، سنّه ١٠ سنوات، لكنه مصاب بسرطان الدم ونقص المناعة، مما يجعلنا لا نستطيع اللعب سويا. هربت إلى إيطاليا للعمل وبالتالي تدبير المال - الذي لا يملكه والدي - من أجل علاج أخي... أحلم بذلك اليوم الذي فيه نلعب سويا”.
وعندها تعاطف المحققون مع ذلك الطفل مندهشين من رجولته وشهامته وإحساسه بالمسؤولية تجاه أخيه المريض، واستعداده للمخاطرة بحياته لإنقاذه. وعلى هذا الأساس قرَّرت وزارة الصحة الإيطالية علاج الطفل المصاب على نفقة الدولة، وتحمُّل كل مصاريف سفره، إقامته هو وأبويه وعلاجه. كما أن العديد من وسائل الإعلام المصرية والإيطالية سعت للحديث مع “الطفل المهاجر” لاكتشاف الكثير من الأسرار الغامضة التي جعلته يتصرف كالرجال، فصار هو حديث الشارع!!
لقد توقَّفت كثيرًا وأنا أتابع تطورات الأحداث في قضية ذلك الطفل، فقد انقسم المحللون إلى فريقين، ما بين مؤيدين لمحبته وتحمله المسؤولية وتضحيته من أجل أخيه الأصغر، بينما آخرين عارضوا تسرعه ومخاطرته غير المحسوبة والتي كادت أن تودي بحياته في عرض البحر... لكنني شخصيًا تعلمت ٣ دروس أساسية من ذلك الطفل، لذا أسمح لي أن أشاركها معك عزيزي القارئ:
١. المرض وأعراض الشقاء
ظهرت أعراض المرض اللعين، والذي لا يفرق بين كبير وصغير، على الطفل أشرف، فلم يعد قادرًا على الحركة والركض مثل باقي الأطفال في سنه. وعندها أدركت قسوة الخطية على النفس البشرية، فمن نتائج الخطية: المرض، العري، الخوف، الخزي، ... فقد صدر التقرير الإلهي على الجنس البشري كالتالي «كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ» (إشعياء١: ٥-٦). فالكتاب المقدس يوضِّح لنا عينات مختلفة من الأمراض، وفي كل منها رمز للخطية ونتائجها، مثل مرض البرص (الخطية ونجاستها: لاويين١٣: ٥٣)، الحمى (الخطية والضعف والسقوط الذين تسببهما: مرقس١: ٣٠)، الجنون (الخطية وجراحها، مرقس٥: ٢-٦)، العمى (الخطية وظلامها وفقرها، مرقس١٠: ٤٦-٥٢).
٢. تحمل المسؤولية والعناء
شعر الأخ بالمسؤولية تجاه مرض أخيه؛ فواجه التحديات الكبيرة والكثيرة لإنقاذه، بعد أن رأى حجم معاناة أخيه وعدم إمكانية أبويه على علاجه، لذا أخذ الأمر على عاتقه مهما كانت المعطلات والمفشلات.
اخوتي الأعزاء يا من اختبرتم خلاص وحرية شفاء المسيح وتمتعتم بحلاوة الحياة الفُضلي والصحيحة معه «أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا١٠: ١٠)، هل نحن على استعداد للتعب والتضحية لأجل إنقاذ من هم غرقى في بحر الشرور والخطايا...؟
لقد أعطانا الرب مثالاً ونموذجًا رائعًا في كيفية الاجتهاد والتعب في الخدمة فنراه وقد «تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ» في يوحنا٤ ليتكلم مع المرأة السامرية ويخلصها... كان المسيح أثناء حياته على الأرض يطوف المدن والقرى ليشفي المنكسري القلوب، كان «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ»... لذا دعونا نتمثل بسيدنا في الاستعداد للخدمة وتوصيل رسالة الإنجيل. هل تتذكر معي بولس الرسول الذي كان على أتم الاستعداد لتوصيل رسالة الإنجيل للبعدين بشتى الطرق مهما كانت التحديات «بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ» (٢كورنثوس١١: ٢٦-٢٧).
هل تتجاوب بالإيجاب مع أسئلة المرنم الخالدة في قصيدته وهو يعاتب المؤمنين “هل كسرت القيد عنهم... هل بذلت الجهد والأعصاب نار... تدفع الضيم ولو رحت ضحية... وتعلمت من المصلوب درسًا ووصية؟!!”
٣. تقديم المعونة والشفاء
جاءت المعونة وإمكانية الشفاء من هذا المرض الخطير ممن يمتلكون الإمكانيات لذلك - إنها الحكومة الإيطالية - لكنها قدمت المعونة بعد أن علمت بالاحتياج من خلال “الطفل المهاجر”، لذا قدَّرت جدًا صراعه لأجل إنقاذ أخيه... عزيزي هل تخبر السماء عن إخوتك المرضى بالشرور والخطايا؟ هل تصارع مع الرب لأجل شفائهم وانتشالهم من بئر الخطايا؟ وهل تتشفع كما تشفَّع إبراهيم إلى الله لأجل سدوم وعمورة (تكوين١٨، ١٩)؟ ليكن لنا لجاجة يايرس لشفاء وإحياء ابنته (متى٨)، وصراخ أبو الولد المصروع لشفاء ابنه (مرقس٩: ٢٤)، ولجاجة المرأة الفينيقية لشفاء جنون بنتها (متى١٥: ٢١-٢٨).
آه يا صديقي.. لو أدركنا قيمة صلواتنا لتحريك السماء لتقديم المعونة وبالتالي حرية وخلاص الكثيرين من بحور خطاياهم وآثامهم.