“ضغط الأقران Peer Presure” مصطلح يُطلق على تأثُّر الفرد بالمجموع، أو الواحد بـ“الشلة”. وهو أمر شائع بصفة خاصة في سن المراهقة. فتجد شابًا مقتنع أن يفعل شيئًا محدَّدًا ولكنه يفعل عكسه خضوعًا للمجموعة التي ينتمي إليها. وقد يحدث العكس بأن يفعل ما هو ليس راغبًا فيه. وكل منّا يمكنه أن يتذكَّر الكثير من المواقف التي حدث معه ذلك فيها؟
الأسباب
١. الشعور بالأمان الاجتماعي: نظرًا لأن المجموعة تكون من أعمار متقاربة في ظروف متشابهة ولهم رغبات وميزات وعيوب وميول تكاد تتطابق؛ فلا ينقد واحد فيهم الآخر على تصرف ما، بصفة خاصة في ما يتعلق بالمتعة. ونظرًا أيضًا لأنهم مهتمون بمواضيع محدَّدة يتحادثون فيها، بل وغالبًا ما تجد لهم قاموسهم الخاص؛ فالحديث بينهم سلس ممتع. لما سبق، فمن الطبيعي أن يجد الواحد نوعًا خاصًا من الأمان بين هذه المجموعة لا يريد أن يفرِّط فيه؛ لذا يخشى مخالفتهم في أي شيء.
٢. اعتبار أن هذا الطبيعي: فهم من نفس الأعمار والظروف؛ فإن لم أكن معهم، فمع من أكون؟
٣. غريزة القطيع: وهذا مسمَّى يُطلق على الرغبة الداخلية الطبيعية لأن يفعل الفرد ما يفعله المجموع دون تفكير ولا تغيير. وما أقل أولئك الذين يسعون لأن يكونوا متميزين.
٤. الخوف من الرفض: ولعله أصعب الأسباب. فالشعور بالرفض مؤلم، كما أنه في وسط شلل المراهقين قد يصل لحد الإيذاء النفسي أو البدني. ولذلك قد يضحي المراهق بقناعاته ورغباته تفاديًا لذلك؟
مثالان
يحضرني مثالين من الكتاب هما: دانيآل (دانيآل١)، رحبعام (١ملوك١٢). اقرأ القصتين من فضلك.
كانت الظروف، بكل المقاييس، في صالح رحبعام؛ فقد ورث عرشًا من أبيه الملك سليمان بكل عِزِّه، والشعب على وشك أن يملّكه عليه. بينما دانيآل مأسور من بلده إلى بلد مليئة بالشر والظلم والقهر، لا يملك أمر نفسه، وليس له من يلجأ إليه للنصيحة. كل الظروف كانت ضده.
أما التحدي أمام دانيآل فكان أصعب بما لا يُقاس؛ فالملك يريد أن يغيِّر ثقافتهم، وأسماءهم، وطعامهم، الأمر الذي يتضمن أن يدفعه لأكل ما نهي عنه الناموس مما ذًبح لأوثان. كانت خطة شيطانية لإبعاده عن الله، ينفذها ملك شديد القسوة يخافه حتى المقربين منه. أما رحبعام فكل المطلوب منه كان أن يخفض الضرائب على الشعب فيخضعوا له بكل سرور. لم يكن هناك ما يهدّده من أي جانب، والعقل والمنطق كانا في صالح أن يقبل مطلبًا عادلاً كهذا من شعبه.
لم يقبل رحبعام المشورة الحكيمة، من أولئك الذين تعلّموا الحكمة من أبيه، بأن يوافق الشعب فيربحهم، وتأثَّر برفقائه، بزهوهم وميل قلوبهم المتكبر، والذين أشاروا عليه بتصرف صبياني أن يرد بعنف وعنجهية (كل ما سبق صفات غير ناضجة جمعتهم كمجموعة). لقد اتخذ رحبعام قراره بالخضوع لضغط الأقران. «أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ»، ولاحظ “أما” بجمالها: تميزها وانفصالها، وعدم خضوعها لضغوط ضد المبادئ.
النتيجة بالنسبة لدانيآل ورفقائه: «وَأَعْطَى اللهُ دَانِيآلَ نِعْمَةً وَرَحْمَةً عِنْدَ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ (فاستطاعوا المواجهة)... أَعْطَاهُمُ اللهُ مَعْرِفَةً وَعَقْلاً... وَجَدَهُمْ عَشَرَةَ أَضْعَافٍ فَوْقَ كُلِّ الْمَجُوسِ وَالسَّحَرَةِ الَّذِينَ فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ. وَكَانَ دَانِيآلُ (ناجحًا وعلى القمة) إِلَى السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِكِ (أي بعد عدة ممالك وملوك وأكثر من ٧٠ سنة!!)».
بينما خسر رحبعام ٨٣٪ من مملكته (١٠ أسباط من ١٢)، ولولا وعد الله لجده داود لما بقي له السبطان!!
واعتقد أن القصتين تحدِّثاننا بالكثير.
الرد
للرد على الأسباب السابق ذكرها دعني أضع أمامك هذه الحقائق:
١. أماني في طاعتي لله: لا بد أنك لاحظت ذلك من قصة دانيآل والرجال الثلاثة؛ فقد حماهم الله من النيران والأسود والإبادة على يد الملك القاسي. ومن الناحية الأخرى لا بد وأن لديك الكثير من المرات التي شاهدت فيها أن عدم طاعة الله تذهب بالأمان بعيدًا. تذكَّر يونان وشمشون. وتذكر مرات حدث ذلك معك أنت شخصيًا. لا تبحث عن الأمان في مكان آخر أو مع شخص آخر.
٢. الاختلاف هو الطبيعي: انظر لكل ما حولك، ستجد أن الاختلاف هو الطبيعي: بصمة كل من إصبعيك المتناظرين في يدك اليمين واليسار مختلفتان، الورود من نفس النوع يتمتعان بالاختلاف، بل حتى التوائم يختلفون في الطباع وتفاصيل كثيرة. فلا تقتع بالتماثل مع أقرانك.
٣. خُلِقت فردًا متميزًا: لم يخلقك الله باستخدام “اسطمبة” ليصنع منك نسخة متكررة من كثيرين قبلك وبعدك. اقرأ مزمور ١٣٩: ١٣-١٧ لتدرك كم خلقك الله مميزًا، بل كل عضو من أعضائك دقَّق في صنعة. لقد اختار شكلك وصفاتك وظروفك ومواهبك وميولك، بتميز فريد لتعيش متميزًا كفرد.
٤. الثمن مقابل النتيجة: إذا كنت ستُرفَض من أجل مبادئك وطاعة الرب، فالأمر يستحق. انظر دائمًا للنتيجة، واحكم على الأمور من منظور أبدي. كم من قبول وقتي من الناس زال سريعًا ولم يترك إلا المرارة. لكن أولئك الذين تركوا أو قبلوا الرفض من أجل أمور الله لا بد وأن يعوضهم الله هنا، وفي النهاية التمتع الأبدي بالمكافأة
قاعدتان ذهبيتان
للصداقة والعلاقات السوية عمومًا قواعد هامة. أكتفي هنا باثنتين اتركهما معك ومع أصدقائك:
١. أصدقاء لكن متميزون: مهما ظننا، لا بد وأن يأتي يوم ويفعل كل واحد منا شيئًا مختلفًا. فقد تفرقنا الكليات التي سندخلها، أو قد يذهب كل واحد منا لمكان غير الآخر. فدعنا نُقِّر هذا الأمر ونتفق على أننا أصدقاء لكن متميزون. مرات سنعمل معًا أمور، ومرات أخرى يجب على واحد منا أن يذهب في اتجاه آخر. دعنا نراعي ظروف أحدنا الآخر، وإمكانيات كل منا، والتزاماتنا، وعائلاتنا، وصحة كل منا، ومواهبنا، وميولنا، والأهم: خطة الله لكل منا. دعنا نسعى لتتميمها ونشجِّع كل واحد منا الآخر على تتميمها، حتى وان اضطررنا لأن يذهب كل منا في طريق لبعض الوقت.
٢. نبني لا نهدم: تنصحنا كلمة الله بالآتي في علاقاتنا «ابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ» (١تسالونيكي٥: ١١). ودع هذا المبدأ يكون دستورَ علاقاتنا السوية. كل منا يحتاج إلى دعم من صديقه، ليكمِّل كل من الآخر، ولنساعد بعضنا بعضًا على أن يكبر كل منا، وليكن كل منا كالبنّاء الذي يكمّل حياة صديقه: روحيًا، ونفسيًا، وعمليُا. لنكن سبب بركة أحدنا للآخر.