فهيمة تدفن نفسها

أرسلت طالبة أفغانية تدرس في الجامعة الأمريكية بكابول تُدعى “فهيمة محمدي” دعوات لأصدقائها لحضور مراسم دفنها. لم تترك “فهيمة” شيئًا للصدفة، بل أعدَّت كل شيء؛ فقد اختارت بنفسها الرخامة التي ستضعها أمام قبرها وقد دونت عليها تاريخ الوفاة، أما في دعوة الجنازة فقد كتبت: “فهيمة بنت عيد محمدي قد ذاقت كل أنواع العذاب والقهر بسبب العنصرية خلال ١٩ عامًا هو عمرها، والآن ها هي تخطو نحو الخلود وتهب حياتها للسيدة دانيشجار”.

وفي مدافن كابول وفي حضور الأصدقاء، ووفقا للمراسم الجنائزية في أفغانستان، دفنت فهيمة صفتها الجنسية، قائلة وهي تنظر إلى القبر ومن أمامها اللوحة التي كتب عليها اسمها: “لقد دفنت فهيمة المؤنثة، التي خلقت في الأساس كإمرأة، دفنت كل شيء يتعلق بها”. وكانت قد أشارت إلى أنه يجب التعامل مع أي إنسان بحسب شخصيته وليس حسب جنسه، وأكدت على أنها كانت دائما تفتخر كونها إمرأة، ولكنها لم تستطيع تقبُل العيش في ظل العنصرية على أساس الجنس. مضيفة أنها عانت كثيرًا بسبب ذلك، وأضافت أنها حاولت أن تكون إنسانة في المقام الأول، ولكن ذلك كان مرفوضًا لكوني فتاة. “بالطبع أنا أعلم تماما أن جنسي لن يتغير، ولكن هذه محاولة مني لدفن كل الذكريات الحزينة القاسية”.

لا شك إننا نتعاطف معها في محنتها. لكن ألم تكن هناك طريقة أخرى غير هذه الطريقة لحل مشكلتها؟! مسكينة فعلاً فهيمة؛ لقد أنهت مشكلة، لكن تظل هناك مشكلة أكبر. ولنا هنا هذه الوقفات.

لكل شيء زمان

يقول الجامعة: «لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ. لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ الْمَغْرُوسِ وَقْتٌ» (جامعة٣: ١٢)، لقد استعجلت فهيمة ووضعت حدًا لحياتها ونهايتها، وحفرت قبرها بيدها. إن قرار الموت في يد الله نفسه، وهو قد حدَّد المكان والزمان وحتى الطريقة. في بلاد فارس، كما جاء في سفر أستير، كان هناك قانون: إن من يأتي إلى الملك بدون دعوة منه، فانه يُقتل، ما لم يأمر الملك بغير ذلك. فالانتحار يمثل الإقدام لرؤية الملك دون أن يأذن له بذلك.

المرأة خُلِقَت إنسان

لقد عانت فهيمة في بلدها القهر والتعصب وشعرت بالدونية لكونها أنثى. ونحن كم نشكر الله من أجل المسيح وتعليم المسيح، فعندما خلق الله الإنسان قال: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ» (تكوين١: ٢٦-٢٧). ويقول بولس الرسول: «لأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ... لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية٣: ٢٦-٢٨). لقد ساوت المسيحية ولم تفرِّق بين الجنس أو الجنسية أو حتى بين المستويات الاجتماعية فالكل حر وواحد في المسيح.

ماذا نحن فاعلون الآن؟

نعلم إننا نعيش في زمن صعب، وكل يوم نسمع عن قصصٍ مؤلمة لكثيرين يضعون حدًّا لحياتهم، بسبب الخيانات الزوجية تارة، والأوضاع السياسية أو الاقتصادية تارة أخرى، غير كم هائل من الاحباطات، والاكتئاب والمشاكل النفسية، والعقلية، والعقائدية. لكن أليس من علاج ومن مخرج و حل؟ أو بلغة الكتاب المقدس: «من أَجْلِ سَحْقِ بِنْتِ شَعْبِي انْسَحَقْتُ. حَزِنْتُ. أَخَذَتْنِي دَهْشَةٌ. أَلَيْسَ بَلَسَانٌ فِي جِلْعَادَ أَمْ لَيْسَ هُنَاكَ طَبِيبٌ؟» (إرميا٨: ٢٢). نقول بنعمة الرب: نعم، هناك علاج للمنسحقين وللحزاني، وللمجروحين ولكل المتألمين سواء في بيوتهم، أو في أعمالهم، أو من عادات وسلوكيات في بلادهم. نقدِّم لهم المسيح الطبيب الأعظم والمريح الوحيد من كل ذل وتعب. إنه يدعو: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى١١: ٢٨). آه يا ليت فهيمة كانت قد عرفت المسيح، وتعليم المسيح.

بل وليت كل قارئ وقارئة الآن يُقبِل إلى المسيح، ويلقي عليه كل شيء. ليعطك الرب فهمًا في كل شيء، فيمنحك راحة لضميرك، ولقلبك. لكن أخاف أن تمضي إلى الأبدية بدون فداء، وبدون رجاء وبدون مسيح؟

فما أصعب المرض بدونه، وما أمر القهر والظلم بدونه، لكن ما أبشع الموت والأبدية بدونه؟!

لقد سلمت فهيمة حياتها للسيدة “دانيشجار” لكن لن ينفعنا سوى المسيح البار، وهو المخلِّص الوحيد من الشر ومن الأشرار. ليتنا نأتي إليه متضرعين ومرنمين.

آتي إليك يا يسوعي


أنت المريح


آتي إليك بدموعي


وبقلب جريح


آتي إليك


أنا آتي إليك


وأنا ليَّ من غيرك


وأروح لمين غيرك