توقَّفنا في الأعداد السابقة أمام البيانات العملية التي رأيناها على المُعلم العظيم، ربنا يسسوع المسيح. فرأينا البيان العملي عن التواضع والوداعة، ثم عن غسل الأرجل. فإن كنا قد تحلّينا بهذه الصفات ولبسناها كثياب، مع صفات أخرى كثيرة، فإننا نحتاج الآن إلى رباط الكمال فوق هذه السجايا. وهذا ما نراه في بيان المعلم التالي.
المحبة
«أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى.. لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا.. وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (يوحنا١٣: ١، ١٥، ٣٤).
المحبة: من أكثر الكلمات التي يتناولها الناس في كلامهم وقصائدهم الشعرية وأغانيهم. وفي مجملها لا تخرج بعيدًا عن جو العواطف والمشاعر المحمومة والشهوة. والهدف النهائي من هذا هو الأخذ لا العطاء، والامتلاك لا التضحية، وإشباع الشهوات الجسدية. بغض النظر عن احتياج الطرف الآخر. وبهذا فقدت الكلمة مفهومها الحقيقي. ولكن هناك نوع آخر للمحبة، وطريقة تعبير أخرى، لا يعرفها العالم. فهيا لنقف أمام أعظم معلم ونرى بيانه الآتي.
بيان المعلم
كما أحببتكم أنا
عندما أحب لم يرسل لنا سفارة لتخبرنا، بل أتى بنفسه. وعندما أتى لم يُلقِ خُطبًا أو قصائد يقول فيها إنه يحبنا. بل برهن على ذلك ببيان عملي كان يعلم كُلفَتَه. فقد قال في طريق ذهابه للصليب «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا١٥: ١٣). وكتب عنه بولس «أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أفسس٥: ٢٥). وأيضًا: «ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية٢: ٢٠).
زمن المحبة
هي أزلية أبدية، وظهرت بكمالها في حياة وموت الرب يسوع. فأزليتها تظهر في القول عن المسيح أنه «ابْنِ مَحَبَّتِهِ» (كولوسي١: ١٣). فالمحبة كانت من الأزل لأن الله محبة والله أزلي. وهي أبدية حسب القول «أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى».
تضحية المحبة
المحبة الحقيقية لا تنظر إلى ما تأخذ. بل إلى ما تستطيع أن تعطيه. فالله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد، والمسيح - كإنسان - أحب أبيه وكان حريصًا على إتمام وصاياه ليس من باب الواجب، أو انتظارًا لمكافأة. بل كما قال «وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ» (يوحنا١٤: ٣١). وأحبّ الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها. وهذا ما يميز المسيحية، الله يبذل لأجل الناس. عكس ديانات أخرى فيها الناس يبذلون أنفسهم لأجل الله (اقرأ ٢ملوك٣: ٢٧).
وصية المعلم
يولي الناس إهتمامًا خاصًا للكلمات الأخيرة لأحبائهم قبل موتهم، ويحرصون على تنفيذها. فكم بالحري عندما تكون الوصية من أغلى مُحب مات بدافع المحبة، وتخصّ أحباء له ولنا؟ فهي غالية لأنها آخر وصايا المحبوب. وعجيبة لأنه هو مقياسها. «وَصِيَّةً جَدِيدَةً... أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا... كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا». لا توجد وصية كررها الرب أكثر من هذه الوصية، وكأنها التعويض لغيابه عن التلاميذ (يوحنا١٣: ٣٤؛ ١٥: ١٢، ١٧).
المحبة علامة
١- بها نعرف أننا نعرف الله «وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ» (١يوحنا٤: ٨).
٢- بها نعرف سُكنى الروح فينا «وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ» (غلاطية٥: ٢٢).
٣- بها نعرف «أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ» (١يوحنا٣: ١٤).
٤- بها يعرف الجميع أننا تلاميذ الرب (يوحنا١٣: ٣٥).
التنفيذ في حياة التلاميذ
غرض الرب من هذه البيانات العملية أن تكون حياة تابعيه مشابهة له، خاصة وقد صرنا شركاء الطبيعة الإلهية. فلنفحص أنفسنا في ضوء بيانات الرب العملية - الطاعة والوداعة والتواضع وغسل الأرجل والمحبة - لأن الناس يظهرون أحيانا صورة الأشياء وليس قوتها أو جوهرها.
فعن المحبة: يذكر الكتاب أن إسحاق أحب عيسو لأن في فمه صيدًا. وأن يعقوب أحب راحيل لأنها حسنة الصورة والمنظر (تكوين٢٥: ٢٨؛ ٢٩: ١٧). هذه المحبة ليست من نفس نوع محبة المسيح الذي أحب الذين شوهت الخطية فيهم منظرهم وأقوالهم وأعمالهم. فالمحب الحقيقي لا يطلب ما لنفسه، أي لا يتمركز حول إشباع العواطف والرغبات. ولكنه يعطي ويبذل كل ما في طاقته لمن هو غرض وهدف هذا الحب. وهذا هو نوع الحب الذي تكلم عنه الرب «يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا١٥: ١٣). وهذا النوع من المحبة نتعلمه من الله «لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (١تسالونيكي٤: ٩).
أولوية المحبة: هي قبل كل شيء، فهي قبل الصلوات (١بطرس٣: ٧، ٨). وهي أفضل من ممارسة الخدمة والمواهب (١كورنثوس١٢: ٣١؛ ١٣: ١).
نحن نحبه
بعد كل ما فعل لأجلنا ألا يستحق أن نحبه؟! وبعد هذا البيان الرائع هل نقوم بتنفيذه عمليا؟ وقبل أن تجيب، فالرب حدد طرق إظهار محبتنا له أذكر لك منها: ١- حفظ وصاياه ٢- حفظ كلامه ٣- رعاية غنمه (إقرأ يوحنا١٤: ٢١، ٢٣؛ ٢١: ١٥).
صديقي القارئ: لم يستعرض الوحي أمامنا هذه البيانات العملية للرب يسوع لنعجب بشخصه وتفرده فقط، بل كان «تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ» (١بطرس٢: ٢١). إنها صفات يمكن أن تُعاش، ومحبة يمكن أن تظهر فينا للقريب والبعيد. للأحباء والأعداء. ولنا كل الوسائط التي تساعدنا على ذلك. وإن أردت أن تعرف هل عندك هذا النوع من المحبة أم لا، إقرا من فضلك ١كورنثوس١٣ بتعديل بسيط وهو إرفع كلمة المحبة وضع اسمك مكانها واقرأ هكذا (فلان) لا يطلب ما لنفسه... وانظر إن كان هذا ينطبق عليك أم لا.