مريم فتاة يهودية، من قرية بيت عنيا، أخت مرثا ولعازر، وتأملنا في المرة السابقة في أنها كانت محبوبة من الرب ومن الكثيرين، وكانت تثق في الرب أنه الطبيب الشافي، وكيف أسرعت لملاقاة الرب عندما جاء إلى بيت عنيا، والآن نستكمل الدراسة:
مريم تبكي
كانت مريم تبكي بصوت مرتفع بسبب حزنها الثقيل على موت أخيها الوحيد لعازر، وأيضًا لعدم مجيء الرب يسوع ليشفيه عندما كان مريضًا. كانت تتوقع أن الرب سوف يأتي مسرعًا، وبالتالي سوف يهرب المرض والموت من محضره، لكنها تعرضت لتجربة مؤلمة على نفسها كثيرًا. ونظرًا لأن الرب لم يكن «قَدْ جَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا»، وبالتالي اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها، لما رأوها قامت عاجلاً وخرجت تبعوها. فلما جاءت إلى الرب، كان المعزّون ورائها، ولما بكت، بكى اليهود الذين جاءوا معها، فانزعج الرب بالروح واضطرب، ثم “بكى”.
مع أن مرثا ومريم عندما تقابلتا مع الرب قالتا نفس العبارة: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!» (يوحنا١١: ٢١)، لكن نلاحظ أن هناك فرقًا، فمرثا قالت العبارة وتبعتها بكلام، بينما مريم قالت العبارة وتبعتها بدموع. كلام مرثا جعل المسيح ينطق بأروع الكلمات عن شخصه أنه «القيامة والحياة»، بينما دموع مريم جعلت المسيح يبكي، ويعلن حنانه وأنه يشعر بآلام أحبائه.
في يوحنا١١ نجد كلمة “البكاء” تتكرر ثلاث مرات: مرة مرتبطة بمريم، والأخرى مرتبطة باليهود، والمرة الثالثة مرتبطة بالرب، مع ملاحظة أنها ليست نفس الكلمة؛ فبكاء كل من مريم واليهود كان بصوت مرتفع، أما بكاء يسوع فكان ذرف الدمع.
«بَكَى يَسُوعُ»! نبكي نحن بسبب عجزنا وضعفنا، لكن لماذا بكى - تبارك اسمه - مع أنه القادر على كل شيء، وسوف يُقيم لعازر بعد قليل؟
بكى يسوع لأنه كالإنسان الكامل له مشاعر إنسانية رقيقة، ورأى وقع سطوة الموت ومرارته على نفوس أحبائه وخلائقه، وأراد أن يعلن لمريم ومرثا محبته لهما، وأنه يشعر بحزنهما ودموعهما.
عندما رأت مريم دموع الرب، لمست محبته وحنانه وشفقته واهتمامه، وكانت هذه الدموع سبب تعزية وتشجيع لها، وجبر كسر قلبها.
ذُكر أن الرب يسوع بكى ثلاث مرات: مرة عند قبر لعازر (يوحنا١١: ٣٥) وكان عبارة عن ذرف الدموع. وبكى على أورشليم (لوقا١٩: ٤١) وكان بكاءه بصوت مرتفع. وبكى في بستان جثسيماني وكان عبارة عن صراخ شديد ودموع (عبرانين٥: ٧).
كثيرًا ما تعرضنا للبكاء، وذلك لأننا في وادي البكاء (مزمور٨٤: ٦)، وأسباب البكاء تختلف من شخص لآخر، ومن وقت لآخر.
مريم تسمع صلاة المسيح لأبيه
بعد أن بكت مريم واليهود، بكى يسوع، ثم قال: «“أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟” قَالُوا لَهُ: “يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ”، ثم جَاءَ يسوع إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ، فقال: “ارْفَعُوا الْحَجَرَ!”». مع أنه هو القادر على كل شيء، لكنه طلب من الواقفين أن يرفعوا الحجر، فهو لا يعمل ما نستطيع نحن القيام به، لكنه يعمل ما لا نستطيع نحن عمله، وهو إعطاء حياة للميت.
قالت له مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَاسَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ»، أي عندما ترفع الحجر ستظهر الرائحة الكريهة للميت. لكنه قال لها: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللهِ؟»، أي أن الله سيتمجد بقيامة لعازر. «فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ»، وصلى على مسمع ومرأى من الجمع الواقف.
ومن هذا نتعلم أننا لا نضع أعيننا على التجربة، لكن نرفع أعيننا إلى فوق حيث نجد المعونة والتشجيع، إذ يقول المرنم: «مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» (مزمور١٢١: ٢)؛ فهو القادر على كل شيء.
سمعت مريم صلاة المسيح: «أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي».
سمعت الرب يبدأ كلامه مع الآب بكلمات الشكر إذ قال: «أيها الآب أشكرك»، وفى هذا مثال عظيم لنا لكي نتعلم ليس فقط أن نطلب بل أيضًا أن نشكر «بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ» (فيلبي٤: ٦). نحن دائمًا لنا الاستعداد للسؤال والطلب أكثر من الشكر، لذلك ليتنا نتعلم أن نشكر دائمًا، فالتحريض لنا: «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ِللهِ وَالآبِ» (أفسس٥: ٢٠).
لاحظت مريم الثقة التي يتكلم بها - تبارك اسمه - مع أبيه الذي يسمع له دائمًا، فصلاته مستجابة دائمًا لأنه يطلب الطلبات التي تتفق مع مشيئة الآب حيث كان في شركة معه. ألم يقل الرب يسوع في يوحنا٨: ٢٩ «وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ». فالرب يسوع لم يفكِّر مطلقًا في أي شيء لا يتفق مع مشيئة أبيه، ولم يفعل شيئًا مخالفًا لكلمته بل كان فى تمام التوافق مع أبيه، لذلك سمع له الآب. ومن هذا نتعلم أنه إذا كانت حياتنا هي حياة القداسة العملية، ونطيع وصايا الرب. فإنه يسمع لنا، لأن هناك ارتباطًا بين تصرفاتنا واستجابة الصلاة، لأنه «إن راعيتُ إثمًا فى قلبي لا يستمع لي الرب» (مزمور٦٦: ١٨)، وأيضًا «وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ» (١يوحنا٣: ٢٢). لذلك علينا أن نحفظ وصاياه ونعيش حياة منضبطة ونسلك بالتدقيق والله لا بد أن يسمع لنا.
«وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». وهنا يعلن المسيح أن غرضه بهذه المعجزة أن تتبرهن إرسالية الآب له أمام الجمع، ونلاحظ أنه - له المجد - لم يُصلِّ لكى يقوم لعازر، لأنه أقامه بسلطانه الإلهي، فهو الابن الذى «يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ» (يوحنا٥: ٢١).
ليتنا نعلم كمؤمنين أننا عندما نمر بتجربة أو ألم، فإن الرب يسوع يشعر بنا، فهو مجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية، وهو يقدِر أن يُعين المجرَّبين، وأيضًا أن نرفع أعيننا من على التجربة ونضعها على الرب واثقين أنه يسمع لنا.