في أيام الدراسة الابتدائية، كان من المقرَّر علينا، في “معمل العلوم”، تجربة بسيطة لإثبات ظاهرة من ظواهر انكسار الضوء.
كانت التجربة – ببساطة – هي أن نضع ماءً (والماء حسب التعريف سائل لا لون له) في زجاجات ملوّنة نصف معتمة، ونلاحظ ما نراه: بأي الألوان نرى الماء. فإذا وضعنا الماء في زجاجة صفراء مثلاً نرى لونه أصفر، وعند وضعه في زجاجة زرقاء نرى لونه أزرق.. وهكذا...
هذه التجربة أتذكّرها كلما قرأت رومية ٨: ١، أو أيَّة آية فيها التعبير «(إنسان أو أناس) في المسيح» (١كورنثوس١: ٢؛ ٣: ١؛ ١٥: ٢٢؛ ٢كورنثوس٢: ١٤؛ ٥: ١٧؛ ١٢: ٢؛ غلاطية٣: ٢٨؛ أفسس١: ١؛ ٢: ٦، ٧، ١٣؛ فيلبي١: ١٣؛ ٣: ٣؛ ٤: ١٣، ٢١؛ كولوسي١: ٢٨؛ ١تسالونيكي٤: ١٦؛ ١بطرس٣: ١٦؛ ٥: ١٠).
وهو تعبير جميل يطلقه الكتاب المقدس على المؤمن الحقيقي بالمسيح، الذي قَبِل عمل المسيح على الصليب من أجله، فأصبح الله يراه في شخص المسيح. لذلك يقول «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ (والكلمة في الأصل معناها “اللوم أو الشكوى”) الآنَ (ولاحظ كلمة الآن) عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ».
وكيف يكون هذا؟! ببساطة لأن الله وضعني في المسيح، وبناء على التجربة السابقة، أصبح يرى لوني لون المسيح.. أي بلا عيب.. بل بالعكس بكل جمال!!!
هذا التعبير الجميل يقول للمؤمن الحقيقي بعض أمور في منتهى الأهمية:
١. الضمان الوحيد
وجودك في المسيح هو الضمان الوحيد إنَّ الله يقبلك ويرضى عنك. فنظرًا لأنه يرى المؤمنين في المسيح، فهو يراهم «قديسين وبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّة» (أفسس١: ٤)، «بِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ» (كولوسي١: ٢٢). لقد كنّا قبلاً في آدم، مرتبطين به وهو يمثلنا، فما كان لنا فيه إلا العيوب. لكن بالإيمان بالمسيح أصبح هو ممثلنا أمام الله ورأس جنسنا الجديد. فإن وُجد في المسيح عيب يوجد فينا. لكن حاشا، لقد كان الوحيد الذي لم يستطع أحد أن يبكته على خطية (يوحنا٨ :٤٦)، بل شُهد عنه أنه لم يفعل شيئًا ليس في محله (لوقا٢٣: ٤١). وهكذا يرانا الله في المسيح. وكما سُرَّ به (متى٣: ١٧؛ ١٧: ٥) يُسر بنا أيضًا. وبناءً على هذا قيل عنه «وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (١تسالونيكي٥: ٢٣). فمن حقنا إذًا أن نترنم «وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ» (يهوذا٢٤، ٢٥).
عزيزي المؤمن الحقيقي بالمسيح، لست في حاجة لأي مجهودات تعملها. فقط اقبل هذه الحقيقة بالإيمان، وانظر للأمور بنظرة الله فترتاح.
٢. بضمير مرتاح نعمل
الآن وقد أدركت أنك في المسيح، في دائرة الرضا الإلهي، تستطيع، بضمير مرتاح، ومن دون خوف ولا قلق، أن “تشتغل”، مع الله، على عيوبك وأخطائك حتى تصلّحها وتتغير للأفضل كل يوم. فإذ أدركت أن الله راضٍ عنك في شخص المسيح؛ لن تحتاج لأن تهرب من عيوبك، ولا لأن تقارن نفسك بغيرك، ولا أن تجلد ذاتك. فقط اعترف بعيوبك وضعفاتك لله أبيك. واطلب منه أن يفتح عينيك على ثغرات في حياتك تحتاج أن تسدها، كأن تترك علاقة معينة أو تتخلى عن عادة ما أو مشاهدات. ومن الناحية الأخرى احفظ نفسك بالقرب من الله وكلمته ومحضره. بعد أن تفعل هذا وذاك، لا تعود للانشغال بعيوبك، بل اشبع بجمال المسيح الذي صار لك.
٣. لن تحتاج لذلك
مجهوداتك التي تبذلها لتنال الرضا أو كلمات المدح والإعجاب (واللايكات والكومنتات) من الناس، لا لزوم لها ولا قيمة.
الإنسان الذي لا يدرك رضا الله يحاول أن يستعوضه بأن يشعر بأنه مقبول لدى الناس ليستشعر بعض الأمان الداخلي. فيبذل جهدًا نفسيًا وبدنيًا وماديًا ليصل لذلك. وهيهات أن يشعر المرء برضا يعطيه الكفاية من جهة الناس.
لكن بما أنك في المسيح؛ فأنت فعلاً في دائرة الرضا، والرضا الإلهي الذي لا يُحَد. وهو ضامن السلام والأمان لك. فما حاجتك لرضا من الناس؟! لا أقول أن تغضبهم أو لا يهمونك، بل ألا يكون رضاهم هو شغلك الشاغل.
الأفضل إن تبذل جهدك في خدمة الناس وفائدتهم وجعلهم يرون “فيك” المسيح الذي يراك الله “فيه”؛ فتترك أثرًا حقيقيًا في حياتهم، وتُكرم المسيح الذي تمَّم العمل من أجلك، وتكون سبب بركة لكثيرين، وفي كل ما سبق قيمة عظيمة ستكتشفها.
وماذا إذا لم أكن فيه؟!
نفس التعبير العظيم «في المسيح»، يقول لمن لم يتأكد من إنَّه بالإيمان أصبح في المسيح..
بدل أن تجرِّب طرقًا لن تنفعك، أتعبتك ومررت غيرك ولم تفلح..
تعالَ الآن.. اقبل المسيح مخلِّصًا شخصيًا لك فتصبح فيه..
في المسيح..
خليقة جديدة،
عيشة سعيدة،
نصرة أكيدة،
نهاية مجيدة.