يتفنن العالم من حولنا في الخداع و“اللف والدوران”، تحت مسمّيات كاذبة؛ كاللباقة والدبلوماسية و“الفهلوة” وغيرها!! وهي فنون تُدرَّس عالميًا في مجال العلاقات والتسويق، في كيفية إقناع الذي أمامك بما تقوله أنت، حتى وإن كان بعيدًا عن الحقيقة تمامًا!! لكنّ الله، الذي لا يتغير ولا تتغير مبادئه، يكره الالتواء ومسرّته في استقامة القلب والكلام. يقول عنه داود «وَقَدْ عَلِمْتُ يَا إِلهِي أَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَحِنُ الْقُلُوبَ وَتُسَرُّ بِالاستقامة» (١أخبار١٧:٢٩). أصلّي إخوتي أن نسير في طريق إلهنا ونحيا هذه الفضيلة: استقامة القلب.
ما هي استقامة القلب؟
تعبير كتابي إلهي، يصف الدوافع القلبية النقية التي تظهر في سلوك وأقوال مُرضية لله، بالصواب والعدل والطهارة. نذكر البعض منها:
١. سلوكيات ترضي الرب: «السَّالِكُ بِالْحَقِّ وَالْمُتَكَلِّمُ بِالاستقامة، الرَّاذِلُ مَكْسَبَ الْمَظَالِمِ، النَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ الرَّشْوَةِ، الَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ الدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الشَّرِّ» (إشعياء١٥:٣٣).
٢. الابتعاد عن الشر: شهد الرب لأيوب أنه «لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أيوب٨:١)
٣. العيشة حسب الحق الكتابي: «بِاستقامة حَسَبَ حَقِّ الإِنجِيلِ» (غلاطيه١٤:٢)، بمعنى التمسّك والالتزام بالتعليم الكتابي بكل دقه.
ما أحوجنا إلى حياة الاستقامة.. إنها واحده من أهم مبادئ الله وسط عالم شرير وجيل قال عنه الله «الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي» أبرز سماته الكذب واللف والدوران!! فهل تصلي معي هذه الطلبة «وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور١٠:٥١).
الاستقامة مبدأ الله، وفرحته بالمستقيمين
في مرات عديده في كلمة الله يتصف الله بالاستقامة في كل أموره. مثلاً في كلامه «أَنَا الرَّبُّ مُتَكَلِّمٌ بِالصِّدْقِ، مُخْبِرٌ بِالاستقامة» (إشعياء١٩:٤٥). وأيضًا من جهة مُلكه «كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ استقامة قَضِيبُ مُلْكِكَ» (مزمور٦:٤٥). حتى في دينونته يقول الوحي «يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاستقامة» (مزمور١٠:٩٦).
كما أرجو ألاّ ننسى أيضًا، أنّ مسرة قلب الرب هي بالمستقيمين لذلك يقول الحكيم سليمان «لأَنَّ الْمُلْتَوِيَ رَجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ» (أمثال٣٢:٣)، وأيضًا «ذَبِيحَةُ الأَشْرَارِ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الْمُسْتَقِيمِينَ مَرْضَاتُهُ» (أمثال٨:١٥).
لذلك أمتدح الرب لاوي قائلًا عنه «سَلَكَ مَعِي فِي السَّلاَمِ وَالاستقامة، وَأَرْجَعَ كَثِيرِينَ عَنِ الإِثْمِ» (ملاخي٦:٢). يا ليتنا نكون هكذا!
خطورة الاستهانة بحياة الاستقامة
ما أخطر الاستهانة بهذا المبدأ الإلهي الخطير، أقصد الاستقامة!! فكلمة الله تقرِّر عن الله «مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا، وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا» (مزمور٢٦:١٨). وإليك مثالين من كلمة الله نرى فيهما خطورة عدم الاستقامة:
المثال الأول هو حنانيا وسفيره في أعمال١:٥-١٠. لقد باعا حقلاً واختلسا من ثمنه وكذبا على بطرس، وظنّا أنهما باللف والدوران والفهلوة سيخدعان الكنيسة والرسل أيضًا “وتبقى دي الشطارة بعينها”!! استمع معي لما قاله بطرس «لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَخْتَلِسَ مِنْ ثَمَنِ الْحَقْلِ؟»، وأيضًا «مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟» لقد كشف الرب التواء قلبهما وكذب كلامهما، وجاء عليهما قضاء الرب؛ فوقعا في الحال وماتا. نعم أن الملتوي رجس عند الرب، فلنحترص إخوتي الأحباء.
والمثال الثاني، هو جيحزي غلام أليشع (٢ملوك٢٠:٥-٢٧) الذي قرَّر أن يجري وراء نعمان بعد أن شُفي بواسطة أليشع. فلقد رفض أليشع أن يأخذ أي هدايا أو عطايا من نعمان. لكن جيحزي قرّر أن يختلق قصه ليأخذ هدايا نعمان بالكذب، ولقد نجح وحصل منه على الكثير!! ثم رجع جيحزي ووقف أمام أليشع ليواصل كذبه.. لكن مرة أخرى أحبائي، ما أخطر الالتواء وعدم الاستقامة!! وقع الحكم الإلهي على جيحزي الملتوي، وفي ذات اللحظة لصق به وبنسله برص نعمان إلى الأبد!! عزيزي، أرجوك أحذر من خطورة الالتواء وعدم الاستقامة!!
بركات حياة الاستقامة
ما أكثر البركات والوعود التي للمستقيمين نذكر القليل منها:
١. رؤية الرب: «لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ. الْمُسْتَقِيمُ يُبْصِرُ وَجْهَهُ» (مزمور٧:١١). نعم، هكذا تُعلّمنا كلمة الله أن أنقياء القلب هم وحدهم يعاينون الله.
٢. الحفظ من الشر: «يَحْفَظُنِي الْكَمَالُ وَالاستقامة، لأَنِّي انْتَظرْتُكَ» (مزمور٢١:٢٥). كان داود يتضرّع للرب طالبًا منه أن يعينه للعيشة بالاستقامة، ففيها حفظ وحماية من الشر.
٣. البركة: «جِيلُ الْمُسْتَقِيمِينَ يُبَارَكُ» (مزمور٢:١١٢). هذا المزمور يطوِّب المتقي الرب المبتهج بوصاياه، معلنًا أن الرب يبارك المستقيمين.
٤. الخلاص والنجاة: «تُرْسِي عِنْدَ اللهِ مُخَلِّصِ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ» (مزمور١٠:٧). كتب داود هذا المزمور وهو يتغنّى بخلاص الرب، رغم وقوف الأشرار ضده وعلى رأسهم رجل اسمه “كوش البنياميني”، فلقد كان واثقًا أن الرب يخلِّص المستقيمين.
إخوتي الأحباء.. إننا في حاجه ماسة إلى استقامة القلب واستقامة الحياة، والتي تجعل السلوك مرضًيا لله. إنه قانون الله، الله المخبر بالاستقامة. وليحفظنا الرب من كسر هذا القانون الذي يجلب علينا كل المتاعب، فلا ننسى أن الملتوي رجس عند الرب.
إن مستقيمي القلب لا يحصدون فقط بركة لأنفسهم، بل هم أيضا بركه لمن حولهم، كما يقول الحكيم سليمان «بِبَرَكَةِ الْمُسْتَقِيمِينَ تَعْلُو الْمَدِينَةُ» (أمثال١١:١١).
هل تصلي معي هذه الصلاة: يا رب من فضلك «لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي» (مزمور١٩: ١٤).