في الآونة الأخيرة، فاجأتنا وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي بخبر مزعج تكرَّر كثيرًا وهو قيام بعض الجزارين بذبح الحمير وبيعها للناس على إنها لحم ار أو جاموس، وذلك بسبب غلاء الأسعار.
وما رأيك عزيزي القارئ عندما تسمع عن جزارِ في إحدى البلاد يبيع لحم الحمير علنًا؟
لقد حدثت هذه القصة بالفعل أنَّ جزارًا، في إحدى البلاد، قام ببيع لحوم الحمير للمواطنين، وعلى مرأى ومسمع وعلم المسؤولين. بل والمُدهِش إنّه وضع تسعيرة لهذه اللحوم، والكل كان يعرف إنها لحم حمير، ومع ذلك تهافت الجميع على شراءها، وبعلم ملك البلاد. والشيء المدهش أيـضـًا أن الملك لما عَلِم بتهافت الناس على هذه الصنف من اللحوم، أمر ببيعها في المجمعات الإستهلاكية التابعة لوزارة التموين. ولأن البعض لم يسعده الحظ ويتمكن من الحصول على لحم الحمير، أمر الملك أيضـًا ببيع رؤوس الحمير في هذه المجمعات لكي يراعي حقوق الفقراء؛ فكانت رأس الحمار بثمانين من الفضة.
وقد حدثت هذه القصة فعلاً في إسرائيل أثناء الحصار الأرامي لإسرائيل في إحدى الحروب بينهما. ولكي تعرف خلفية هذا الحدث الرهيب، أدعوك عزيزي القارئ إلى قراءة سفر الملوك الثاني والأصحاح السادس بدءًا من العدد الرابع والعشرين حتى نهاية الأصحاح.
وتحكي القصة أن ملك آرام (سوريا حاليًا) فرض حصارًا عسكريـًا على مدينة السامرة، عاصمة المملكة الشمالية الإسرائيلية. ونتج عن هذا الحصار العسكري حصارًا آخر اقتصاديـًا. فدخلت البلاد في مجاعة رهيبة، وبسبب هذه المجاعة أكلت الناس لحوم الحمير، بل وصل الأمر أن رأس الحمار كانت تُبَاع بثمانين من الفضة.
والحمار، بحسب الشريعة اليهودية، هو حيوان نجس، لا يمكن أكله مهما كانت الأسباب. ولكن لما دخلت البلاد في مجاعة رهيبة اضطرت الناس، تحت وطأة وقسوة المجاعة، أن تأكل لا رأس الحمار فحسب، بل تشتريه بثمن غالٍ.
ومن هذه القصة نتعلم عزيزي القارئ تعاليم هامة تحذيرية:
الشيطان يفرض اليوم على الشباب أنواع كثيرة من الحصار. فهو يفرض عليهم حصار الجنس والمواقع الإباحية، وحصار المخدرات... ويبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه تسلية، والشاب لا يتوقع أنه يومـًا من الأيام سينحدر به الأمر ويرضى على نفسه أن يضحي بالمبادئ الإلهية والإنسانية السامية وكأنّه يتغذى على رأس الحمار.
رأس الحمار وإلى ماذا تشير
الرأس هي مركز التفكير، بل هي غرفة التحكم في الجسم كله. وكأنَّ من يقع في بؤرة الإدمان، سواء إدمان الجنس، أو إدمان المخدرات، أو إي إدمان آخر؛ تكون مادة تفكيره كلها هي النجاسة. فتراه يدخل على المواقع الإباحية بنهم وبكثرة، وكأنه يتغذى عليها، وتكون هي مادة تسليته وثقافته. حتى أن من يدمنون هذه المواقع يضحك عليهم الشيطان ويقنعهم بأن هذه أفلام ثقافية، وهي في الحقيقة أفلام إباحية كلها نجاسة. وبعد أن تمتلىء ثقافته بهذه النجاسة، يأخذه إلى الحقل الميداني للنجاسة، بعد أن تشتعل شهوته اشتعالاً رهيبـًا. فيذهب ليبحث عن النجاسة في أي مكان حتى أن البعض قد يصل به الأمر إلى بيوت الدعارة دافعًا ثمنـًا باهظا ليشبع شهوته ويسد رمق جوعه، كما كان الجائع يشتري رأس الحمار بثمانين من الفضة. ويتلو الإدمان إدمان آخر؛ إذ قد يعرض عليه أصدقاء السوء أن يتعاطى الحبوب المخدرة حتى تعطيه قوة مُضاعفة حسب زعمهم الباطل.
هذه القصة المأساوية التي ذكرها الوحي في الأصحاح السادس من سفر الملوك الثاني، تحكي أيضـًا عن مأساة أخرى أشد هولاً من مأساة أكل رأس الحمار. قصة يندى لها الجبين ويشيب لها الولدان. لذلك فضَّلت عزيزي القارئ أن أنقلها لك نصـًا بحسب ما ذكرها الوحي المبارك «وَبَيْنَمَا كَانَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ جَائِزًا عَلَى السُّورِ صَرَخَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ: “خَلِّصْ يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ”. فَقَالَ: “لاَ! يُخَلِّصْكِ الرَّبُّ. مِنْ أَيْنَ أُخَلِّصُكِ؟ أَمِنَ الْبَيْدَرِ أَوْ مِنَ الْمِعْصَرَةِ؟” ثُمَّ قَالَ لَهَا الْمَلِكُ: “مَا لَكِ؟” فَقَالَتْ: “إِنَّ هذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ قَالَتْ لِي: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ الْيَوْمَ ثُمَّ، نَأْكُلَ ابْنِي غَدًا. فَسَلَقْنَا ابْنِي وَأَكَلْنَاهُ. ثُمَّ قُلْتُ لَهَا فِي الْيَوْمِ الآخَرِ: هَاتِي ابْنَكِ فَنَأْكُلَهُ فَخَبَّأَتِ ابْنَهَا”».
وهنا نرى إمرأة ذبحت ابنها لكي تُشبع جوعها. يحدث هذا اليوم مع نساء كثيرات وقعن في حبال الرزيلة فضحَّين بفلذات أكبادهن لأجل شهوة. فتارة نسمع عن إحداهن تركت أولادها وزوجها وهربت مع عشيقها، وتارة نسمع عن أخرى حملت سفاحًا فألقت بوليدها في القمامة، وتارة نسمع عمن قتلت ابنها بسبب الخطيئة. يا للهول!
هذه هي الخطية التي «طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ» (أمثال٧: ٢٦). وهؤلاء هم الذين وصفهم الرب يسوع قائلاً «أنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ» (يوحنا٨: ٤٤).
أعزائي الشباب: احذروا من حيل إبليس، وحصار إبليس الذي يفرضه عليكم، لئلا تندموا في آخرتكم بعد فوات الآوان.
يا إلهنا حرَّر وحِلَ
مِن كل رُبُط الخطية
وامسك إيدين اللي ذَلّ
ولا تنساش اللي تاه