رسالة يوحنا الثالثة هي أصغر أسفار العهد الجديد بحسب الأصل اليوناني. وجهها الرسول يوحنا في شيخوخته إلى الحبيب غايس. اقرأ من فضلك هذه الرسالة (٢١١ كلمة فقط).
سنتوقف فقط عند العدد ٢ «أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ«. وبحسب ترجمات أخرى يمكن أن نقرأه هكذا: ”أرجو أن تكون موفقًا في كل أمر، وأن تكون صحتك البدنية قوية ومعافاة كصحتك الروحية”.
أول ما نستنتجه عن غايس أنه كان يتمتع بصحة روحية قوية. وهنا يرجو يوحنا لصديقه غايس أن يتمتع بصحة جسدية قوية كصحته الروحية.
وهنا لنا الدرس، أن الروح كما الجسد قد تكون صحيحة أو سقيمة. لا يختلف اثنان على أن الجسد السليم الصحيح يأتي من تغذية سليمة وهواء نظيف ونشاط وحركة وراحة. والأهم هو التوازن ما بين كل هذه الأمور لتكون النتيجة جسد صحيح.
لقد كان غايس ناجحًا روحيًا لأنه اهتم بروحه، اهتم بغذائها وهوائها ونشاطها وراحتها.
في كلمات الرسالة نستطيع أن نجد مظاهر وأسباب نجاحه الروحي:
١. المحبة
٤ مرات في الرسالة ترد عنه هذه الكلمة «الْحَبِيبِ» (ع١، ٢، ٥، ١١). هو محبوب من الله ومحبوب من المؤمنين.
أعظم احتياج للإنسان يُشبَع من خلال علاقته الحقيقية والصحيحة مع الله. يقول الكتاب «وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ» (١يوحنا٤: ١٦).
وأيضًا يشبع احتياجه العلاقاتي مع المؤمنين في كنيسة الله في محبة أخوية عديمة الرياء من قلب طاهر بشدة (١بطرس١: ٢٢).
تترجم أحيانًا كلمة «حبيب» إلى “صديق”، وما أحلى أن يكون لغايس صديق مثل يوحنا! لا نعرف بالضبط كم هو فارق السن بينهما، لكن هذا الفارق لم يمنعهما من توطيد صداقة متينة.
عزيزي الشاب نحن نحتاج لأصدقاء روحيين، ومن النافع جدًا أن يكون لنا أصدقاء ذوي خبرة روحية يمكننا أن نثق بهم نفضي لهم بأسرارنا عندما يلزم الأمر ونأخذ منهم إرشادًا روحيًا لازمًا لنا. الكتاب يحرضنا في (عبرانيين١٣: ٧) «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ».
«أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ».
لكن غايس كان صحيحًا لأنه لم يأخذ طوال الوقت بل كان أيضًا يعطي، كان محبوبًا وكان يقدِّم المحبة للآخرين. كان يقدِّمها للإخوة وللغرباء، بأمانة، وكانت محبته مشهودًا لها (ع٥، ٦).
المحبة هي المناخ الذي تنمو فيه الحياة الإلهية. وبالتأكيد كان غايس فَرِحًا وهو في هذه العلاقات، وقد كان اسمًا على مسمى (معنى غايس: فرح).
٢. الحق
ترد هذه الكلمة ٥ مرات في هذه الرسالة القصيرة (ع١، ٣ ،٤ مرتين، ١٢). أن تجد الحق في وسط عالم مليء بالكذب والتشكيك، أنت تكون كالسفينة التي تبحر وهي تعرف طريقها وبها وسائل الأمان التي تضمن سلامتها ووصولها للمرسى.
غايس كان ناجحًا وصحيحًا لأن الحق كان فيه (ع٣) وكان يسلك بالحق (ع٤).
هذا هو الغذاء الصحيح والنشاط الصحيح.
الكتاب المقدس هو المصدر الذي يعرفنا الحق بـ“أل” التعريف. أولاد الله يعرفون الحق وهم فيه «وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (١يوحنا٥: ٢٠).
المسيح هو الحق، قال عن نفسه «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا١٤: ٦).
الكتاب المقدس هو الحق، «كَلاَمُكَ هُوَ حَق» (يوحنا١٧: ١٧)، وكان المسيح دائمًا يقول «فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ».
ما نتعلمه عن الله من الكتاب أنه يعلن الحقَ للمُخلِصين والمتضعين، ومن يطيع يعلَن له المزيد من النور «يُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ»
(مزمور٢٥: ٩).
٣. الاتزان
كان غايس متزنًا ما بين استقبال المحبة وإرسالها، معرفة الحق والسلوك به. كما تمنى له يوحنا أمنية تستلزم الاتزان ما بين احتياجات الروح والنفس والجسد، الإفراط في جانب على حساب جانب آخر يُحدِث خللاً في كياننا الإنساني.
بالنسبة لغايس، كانت أمنية يوحنا أن يكون جسده صحيحًا كروحه، ربما كان مريضًا أو ضعيفًا من الناحية الجسدية، أو ربما كانت تلك أمنية اعتادوا في القديم أن يتمنوها بعضهم لبعض، على أيَّة حال، كلنا نرجو هذا الإنسجام ما بين أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا. عندما تتولى الروح قيادة الكيان الإنساني، وتتصل بالله اتصالاً حقيقيًا، ويصبح الجسد بأعضائه خاضعًا لقيادتها؛ تنعم النفس بالراحة الحقيقة.
يجب أن نفطن لاحتياجات أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا، نعرفها ونعرف كيف نتعامل معها، نكتشف أنفسنا باستمرار في أجواء الشركة الحقيقية مع الله ونور كلمته وقيادة روحه، ونعرف كيف نسمعها ونتعامل معها. نجح داود في واحدة من هذه الاختبارات مع نفسه «بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ» (مزمور١٣١: ٢).
النجاح الأمثل هو أن نكون ناجحين في كل شيء، قيل عن يوسف «وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ» (تكوين٣٩: ٢٣)، وحزقيا «وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ» (٢ملوك١٨: ٧) ودانيآل الذي نجح مع كل الملوك الذين عاصرهم (دانيال٦: ٢٨)، ومن يسلك بكلمة الله فإن «وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور١: ٣). وهذة أمنيتي لي ولك أنت أيضًا يا صديقي.