مريم أخت هارون وموسى، فتاة يهودية، من سبط لاوي، وُلدت في أرض مصر (عدد٢٦: ٥٩)، من أبوين تقيين هما: عمرام ويوكابد. وُلدت في زمن العبودية، وكانت وهي طفلة بركة لأخيها موسى، حيث استخدمها الله في إنقاذه (خروج٢)، إذ أعطاها الرب حكمة وشجاعة. ونتأمل بمعونة الرب في بعض مواقف أخرى من حياتها:
مريم المرنمة
لا نجد ذكرًا لمريم لمدة ٨٠ سنة، حتى رجع موسى من برية مديان إلى مصر، كمرسَل من الله، لإخراج بنو إسرائيل من أرض المذلة والعبودية. وبعد نزول الضربات العشر على المصريين، خرج الشعب من أرض مصر، ثم شق الرب لهم البحر الأحمر، فعبروا على اليابسة. ولقد رأت مريم يد الرب العظيمة والقديرة في كل ما سبق.
بعد الخلاص العظيم الذي صنعه الرب لهم «رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ... تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ... تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ» (خروج١٥: ١–١٧). بعدها «أَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ» (خروج١٥: ٢٠، ٢١).
الدف نوع من الطبل، وهو عبارة عن إطار خشبي دائري يبلغ قطره نحو ٣٠ سم، وارتفاع الإطار نحو خمسة سنتيمترات. وتُشد على هذا الإطار رقعة من الجلد الرقيق شدًّا محكمًا. وتوجد في الإطار عادة خمس فتحات تعلق فيها بطريقة سائبة أقراص معدنية بحيث تجلجل، محدثة صوتًا عند اصطدامها ببعضها عند هز الدف باليد التي تحمله، والنقر عليه باليد الأخرى. وكانت الدفوف مرتبطة بالفرح والأغاني (تكوين٣١: ٢٧)، واستُخدمت في حفلات الزواج والمناسبات، وكانت النساء عادة ينقرن عليها لضبط حركات الرقص أو إيقاع سير المواكب.
نلاحظ أن ترنيمة موسى كانت طويلة، بينما مريم مختصرة، ترنيمة موسى تتكلم عن مشروع الله ومقاصده بالنسبة لشعبه، لذلك شملت: الماضي ع٤، ٥، والحاضر ع١٣، والمستقبل ع١٧؛ بينما مريم ترنمت بقرار الترنيمة فقط، لأن فهمها كان قاصرًا على الخلاص الذي تم.
الترنيم دلالة على الفرح بالخلاص العظيم الذي صنعه الرب لهم، مكتوب: «أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّل» (يعقوب٥: ١٣). وأيضًا ذبيحة تُقدم لله: «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ» (عبرانيين١٣: ١٥). والترنيم ملذ للمؤمن: «أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا. فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ» (مزمور١٠٤: ٣٣، ٣٤).
لتكن حياتنا هي حياة الترنيم والفرح المستمر بالرب.
مريم القائدة
نلاحظ أنه عندما «أَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، خَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: رَنِّمُوا لِلرَّبِّ»، من هذا نفهم أن مريم فيها صفات القائد.
والقيادة موهبة من الله تُعطى لبعض الأشخاص، من خلالها تتحرك كل الجماعة في اتجاه واحد، لتحقيق هدف عظيم. والقائد له قدرة على التأثير على الآخرين ليتحركوا في الاتجاه الصحيح، لتحقيق هدف الله في حياتهم، ولذلك لا بد أن تكون له رؤيا يسعى لتحقيقها. ولكي يكون ناجحًا ومؤثِّرًا لصالح شعب الله، لا بد أن يتحلى ببعص الصفات الضرورية:
u له شركة قوية مع الرب، رجل صلاة (يعقوب٥: ١٦)، محب لكلمة الله (مزمور١١٩: ٩٧)، متمسك بالتعليم الصحيح (تيطس١: ٩)، محب للجميع، قدوة في تصرفاته وبلا لوم (١تيموثاوس٣: ٢). وديع، منكر لنفسه (متى١٦: ٢٤)، منضبط في كل شيء، سواء في الحياة الداخلية والسرية، أو العلنية أمام الجميع (١كورنثوس٩: ٢٥).
u له قلب الخادم (١يوحنا٣: ١٦)، له روح حسّاسة تجاه الآخرين، فيعرف احتياجات وإمكانيات كل فرد حتى يشجِّعه على السير في الطريق الصحيح. مشجِّع الضعفاء ومنذر للمخطئين (١تسالونيكي٥: ١٤)، له إيمان عظيم بالله القادر على كل شيء.
u له روح المبادرة، فهو لا ينتظر الأشياء حتى تحدث، بل يساعد على حدوثها، ولديه الاستعداد لتحمل النتائج.
u يُقدِّر قيمة الوقت جدًا، نشيط، لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، وفي حالة تكدس المسؤوليات، يبدأ بالأولويات، حتى يستطيع أن ينجز كل المهام المطلوبة منه.
u يأخذ مشورة الرب دائمًا (مزمور٣٢: ٨؛ ٤٨: ١٤)، وأيضًا المشيرين الأتقياء (أمثال١١: ١٤)، ويخطِّط جيدًا للعمل، فيدرس التفاصيل، ويقدِّر التكلفة والوقت الذي سيؤخذ للتنفيذ.
u يركز على الهدف ويعمل على تحقيقه، وفي حالة وجود مشاكل يعمل على حلها، ويذلّل الصعوبات.
u يوزع مسؤولياته الكثيرة على مساعدين مخلصين، لهم نفس الرؤية والهدف. ولا يتسرع في اختيار من يساعده (١تيموثاوس٥: ٢٢).
u مشاركة الآخرين في العمل ليكون ناجحًا، ويخبرهم دائمًا بما تم إنجازه، وما اعترضهم من صعوبات، ويحتفظ دائمًا بجو من المحبة والسلام مع الجميع (أفسس٤: ٣).
u لديه استعداد أن يتحمل النقد من الآخرين، مثل موسى رجل الله، الذي تعرض كثيرًا لهذا الأمر، لكنه كان حليمًا جدًا (ع١٢).
في كنيسة الله يوجد قادة، وهم مؤمنون ناضجون، يحملون المسؤولية تجاه قطيع الرب، مثل الأساقفة أو النظار، ومهمتهم ملاحظة قطيع الرب، وكذلك القسوس الذين هم شيوخ الكنيسة ومسؤوليتهم رعاية قطيع الرب (١تيموثاوس٣: ١-٧؛ تيطس١: ٦-٩).
يوجد قادة للرجال مثل موسى وجدعون، داود وسليمان، بطرس وبولس؛ وكذلك قائدات للنساء مثل: مريم أخت هارون، أفودية وسنتيخي (فيلبي٤: ٢).
مع ملاحظة أن موسى قاد كل الشعب في الترنم للرب، بينما مريم قادت النساء فقط. هذا الفكر نجده أيضًا في العهد الجديد، كما هو مكتوب: «لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ، لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُونًا لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضًا. وَلكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئًا، فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ» (١كورنثوس١٤: ٣٤، ٣٥). وأيضًا «لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي» (١تيموثاوس٢: ١١-١٤).