مريم فتاة يهودية، من سبط لاوي، وُلدت في أرض مصر، في زمن العبودية (عدد٢٦: ٥٩)، من أبوين تقيين هما: عمرام ويوكابد، وأخت لاثنين من أعظم شخصيات إسرائيل هما: هارون وموسى. استخدمها الله وهي طفلة في إنقاذ أخيها موسى (خروج٢)، وبعد عبور البحر الأحمر قادت النساء في الترنيم للرب (خروج١٥). ونتأمل بمعونة الرب في بعض مواقف أخرى من حياتها:
مريم النبية
النبوة في الكتاب المقدس لها معنيان:
(ا) من يكلم الناس ببنيان ووعظ وتعزية (١كورنثوس١٤: ٣)، وذلك لنمو المؤمنين في النعمة وتقدّمهم روحيًا، والتحريض على المحبة والأعمال الحسنة، وهذا تم مع يهوذا وسيلا النبيين الذين وعظا الإخوة في أنطاكية بكلام كثير وشدداهم (أعمال١٥: ٣٢). النبي هو شخص له اتصال مستمر بالله، وفي شركة قوية معه، فيعرف فكره من خلال كلمته، وبالتالي عندما يعظ، يستحضر النفوس إلى محضر الله، سواء للتوبيخ على الشر أو البنيان والتشجيع.
(ب) المعنى الثاني للتنبؤ هو أن الرب يستخدم أشخاصًا، في بعض الأوقات، فيأخذون منه رسالة عن المستقبل، يخبرون بها الآخرين، مثل أغابوس الذي «أَشَارَ بِالرُّوحِ أَنَّ جُوعًا عَظِيمًا كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَصِيرَ عَلَى جَمِيعِ الْمَسْكُونَةِ، الَّذِي صَارَ أَيْضًا فِي أَيَّامِ كُلُودِيُوسَ قَيْصَرَ» (أعمال١١: ٢٨)، وفي قيصرية تنبأ عن الرسول بولس عندما «أَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ، وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: هذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هذِهِ الْمِنْطَقَةُ، هكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الأُمَمِ» (أعمال٢١: ١٠، ١١).
كانت أيضًا نبيات مثل: مريم أخت هارون، حيث كان الله يُعلن فكره لها، وهي تعلنه لبقية النساء، إذ كان لها التأثير عليهن.
مريم المرسَلَة من الله
يقول الرب لشعبه: «إِنِّي أَصْعَدْتُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَكَكْتُكَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَرْسَلْتُ أَمَامَكَ مُوسَى وَهارُونَ وَمَرْيَمَ» (ميخا٦: ٤). أي من محبة الرب وحنانه وأمانته لشعبه، أرسل أمامهم هؤلاء الثلاثة الذين من عائلة واحدة، ليكونوا في مركز القيادة لشعبه، فموسى وسيط العهد القديم، وهارون رئيس الكهنة، ومريم قائدة للنساء.
كانت مريم مرسَلة من الله لهذا الشعب، حيث استخدمها وهي طفلة في الاهتمام بأخيها موسى وملاحظته وهو في السفط (خروج٢). ثم بعد ٨٠ سنة استخدمها في قيادة النساء للترنم للرب (خروج١٥). وقد أكرمها الله بأن وضعها جنبًا إلى جنب مع أخويها موسى وهارون.
كل مؤمن حقيقي بالمسيح هو مرسل من الله لمهمة خاصة، في وقت معين، ولغرض معين، والرب له قصد من حياة كل مؤمن، ويريد أن يستخدمه لمجده، لذلك يجب أن يقول للرب: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أعمال٩: ٦)، وحينئذ سيكشف له العمل المطلوب منه.
ذُكر عن يوحنا المعمدان هذه العبارة الجميلة: «كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا» (يوحنا١: ٦)، لقد كان سفير الملك، وكان يعد الطريق أمامه، وقد أكمل إرساليته بنجاح.
إن إرسالية كل مسيحي في هذا العالم هى أن يشهد عن المسيح، سواء بحياته أو كلامه، فيأتي الكثيرون للرب، ويعرفوه كالمخلِّص والفادي.
مريم تكلَّمت على موسى
تحرك الشعب في البرية إلى أن وصلوا إلى ”حضيروت“، في برية سيناء، وهناك تكلمت مريم وهارون على موسى رجل الله، بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها (ذات بشرة سوداء وأيضًا أممية)، وعلى الأرجح أن هذه المرأة هى صفورة ابنة كاهن مديان، والتي كان قد تزوجها منذ أكثر من أربعين سنة في أرض مديان، بعد هروبه من مصر.
لكن لماذا بعد هذه السنين الكثيرة تكلمت مريم على موسى بسبب المرأة الكوشية التي كان قد اتخذها؟ لأن هذا ليس السبب الحقيقي، بل الظاهري، أما السبب الحقيقي هو الغيرة والحسد النابعان من الطبيعة الفاسدة التي فينا (غلاطية٥: ١٩–٢١)، وهذا واضح من قولهما: «هَلْ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَحْدَهُ؟ أَلَمْ يُكَلِّمْنَا نَحْنُ أَيْضًا؟»، أي أنها استخدمت زواجه من الكوشية كذريعة للتمرد على سلطة موسى العليا، وكانت تريد أن تقوض سلطة موسى الممنوحة له من الله لكي تشترك هى وهارون في هذه السلطة.
كان لموسى مكانة عظيمة وسط الشعب معطاه له من الله، وكان له شركة قوية مع الرب، وكان يحمل حمل هذا الشعب، لكنه تعرض للحسد من خارج العائلة ومن داخلها، فحسده قورح وداثان وأبيرام (عدد١٦؛ مزمور١٠٦: ١٦ ١٨)، والرب قضى عليهم، وللأسف جاء الحسد أيضًا من مريم وهارون (عدد١٢).
كانت مريم نبية ومرنمة وقائدة للنساء، وكان هارون رئيس كهنة، وكان موسى وسيط العهد القديم، لذلك كان أمرًا محزنا أن تحدث مذمة من القادة بعضهم على بعض.
الكلام على خدام الرب شر بغيض، وتحدٍّ لحقوق الله، ويعتبر كلام على المسيح شخصيًا، ونفس هذه الخطية وقع فيها مؤمني كورنثوس، إذ تكلموا على الرسول بولس وذلك بسبب انتفاخهم (١كورنثوس٤).
الكلام على الآخرين وتشويه صورتهم وسمعتهم هى خطية كريهه، تسمى بالنميمة، والتي تتحول إلى مذمة وانتقاد، وينتج عنها تجريح وتشهير.
حذرنا الكتاب من خطية النميمة والنمام (أمثال ١٦: ٢٨؛ ١٨: ٨؛ ٢٦: ٢٠)، والنميمة صفة من صفات الأشرار (رومية١: ٣٠)، فلا يليق أن تكون وسط المؤمنين، لذلك حذر الرسول بولس مؤمني كورنثوس من المذمات والنميمات (٢كورنثوس١٢: ٢٠)، لأن النميمة تؤذي ثلاثة أشخاص: قائلها وسامعها وموضوعها. ليتنا نطرح «كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ» (١بطرس٢: ١).
علينا أن نلاحظ أنفسنا كما هو مكتوب: «لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ» (أفسس٤: ٢٩)، وصلى المرنم قائلا: «لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي»، وأيضًا «اجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِسًا لِفَمِي. احْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ» (مزمور١٩: ١٤؛ ١٤١: ٣).
لذلك عوضًا عن التكلم بعضنا على بعض نصلي من أجل بعضنا البعض، وعوضًا عن أن ننشغل بالعيوب والنقائص في إخوتنا ننشغل بفضائلهم وحسناتهم، وعوضًا عن التكلم على خدام الرب أو شيوخ الكنيسة، نصلي من أجلهم حتى يحفظهم الرب ويملأهم من روحه ويستخدمهم لمجده.