ويقال أيضًا “الكلام مش بفلوس”. وهو قول مصري شهير يُقصَد به أن أي واحد يمكن أن يتكلم كما يشاء، سواء قصد الكلام أو لم يقصده، أو كانت عنده نية تنفيذه أو لا؛ فليس من محاسب له. وللأسف، هذا هو واقع مجتمعاتنا الشرقية؛ إذ فَقَدَ الكلام قيمته ومعناه، فتجد الناس يكثرون الكلام ولا يفعلون، ولأن الكلام لا يقترن بالأفعال والمسؤولية، أصبح فارغ المعنى، ملتوِ الغرض، مليء بما لا يجب.
على أنَّ الرب يرى الكلام مهمًا جدًا، حتى أنه صرَّح يومًا أنه «بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ». هل ترى معي إلى أيَّة درجة؟! بل يقول في نفس السياق «وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ» (متى١٢: ٣٦-٣٧). و“بطَّالة” عكس “فعّالة”. أي أن الكلمة التي سيعطون عنها حسابًا هي الكلمة غير العاملة، كلمة بدون سبب، فارغة، لا لزوم لها؛ فما بالك بالكلمة الشريرة والمؤذية! مرة أخرى، هل ترى خطورة الكلام؟! في ضوء ذلك هل ندرك قيمة نصيحة الحكيم «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ، أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ» (أمثال١٠: ١٩).
ولأن الله ينتظر من المؤمنين أرقى المستويات؛ فهو يطالبنا باهتمامٍ خاص بالكلام. فمن الناحية السلبية يطالبنا بألا يخرج من أفواهنا «الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ الَّتِي لاَ تَلِيقُ (النكات البذيئة والسخافات والتفاهات والكلام الموجع)» مؤكِّدًا على أن «لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ». ومن الناحية الإيجابية، يحرضنا «بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ» (أفسس٤: ٢٩؛ ٥: ٤). فهل نقيس كلامنا بهذا المقياس: كلام هادف، مفيد، مختصر؟!
أمر آخر نُنصح به في جامعة ٥: ١-٧، ألا نتكلم كلام لا نعنيه في محضر الله، فلا صلوات محفوظة لا تعبِّر عما بداخلنا ولا ترنيمات تحمل كلمات رنانة لكنها لا تنطبق علينا، ولا وعود لا نعنيها أو لا نقدر على تنفيذها (كل ما سبق يسميه الحكيم: كلام جهل). بل ليكن كلامنا معه بسيطًا معبِّرًا بالضبط عما بداخلنا مستندًا على نعمته وإمكانياته هو.
أخيرًا يذكرنا الكتاب أن التقي «يَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ» (مزمور١٥: ٤). والحلف في العهد القديم كان بدل عقود الاتفاق، فالآية تعني أن التقي لو قال كلمة يلتزم بها مهما كانت مكلفة له.
لننتبه إذًا لكلامنا!