أهم الاختراعات من سلة النفايات

عام ١٨١٦ استُدعي الطبيب الفرنسي رينيه لِينِك (René Laennec) لفحص فتاة مريضة بالقلب، وكانت الطريقة وقتها أن يضع الطبيب أذنه على صدر المريض ليسمع دقات قلبه. لكن الفتاة لم تقبَل أن يضع أذنه على صدرها خجلاً. وقع الطبيب في حيرة شديدة ما بين إدراكه لخطورة الحالة وفي نفس الوقت احترامه لخجلها. توقَّف محاولاً أن يجد حلاً. التفَتَ إلى صفيحة معدنية كانت ملقاة جانبًا في غرفة الكشف لإلقائها في سلة النفايات نهاية اليوم. التقطها وحاول أن يلفّها على شكل أسطوانة ويضعها على جسم الفتاة المريضة، وبالتالي يقلِّل من خجلها بعدم وضع إذنه مباشرة على جسدها، محاولاً بذلك الاستماع لدقات قلبها. وكم كانت دهشته كبيرة عندما سمع صوت دقات قلبها بوضوح. وبعد الانتهاء من الكشف، تكوَّنت لديه فكرة صُنع سماعة تعينه في فحص المرضى. بالفعل تطوَّرت الفكرة وحصل د. رينيه لينك علي براءة اختراع “السماعة الطبية Stethoscope” التي صارت واحدة من أهم الرموز لمهنة الطب وأداة أساسية في عيادة أي طبيب!

عزيزي القارئ: توقفت كثيرًا وتزاحمت في ذهني الأفكار أمام بساطة اختراع السماعة الطبية، وشدني إصرار الطبيب وجدّيته، وحرصه على لكشف على مرضاه بالرغم من رفضهم له، لذا دعني أشاركك ببعض الأفكار:

١. خطورة رفض الطبيب الحنان

خجلت الفتاة المريضة - وقد تكون محقة في ذلك - ولم تمنح الطبيب فرصته للكشف عليها بالرغم من تعبها الشديد. وكان من الممكن أن يؤدي ذلك بحياتها، لولا تدخل الطبيب وحرصه على الكشف عليها بطريقة غير مألوفة.

إن هذه الفتاة تمثل حال الكثيرين من البشر الذين يرفضون يسوع الطبيب العظيم للدرجة التي فيها يهتفون ويصرخون: «ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ» (أيوب ٢١: ١٤)، وتم فيهم القول: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ» (إشعياء ٥٩: ٢). من الممكن أن يكون الخجل من الماضي وما فيه من شرور وخطايا سببًا مقنعًا للبعض لرفض خلاص المسيح، لكن دعني أؤكد لك يا عزيزي أن الرب يسوع ما زال يرحب بك ويبحث عنك بالرغم من كل الآثام. فهو وعد قائلا «من يقبل إلى، لا أخرجه خارجًا» (يوحنا ٦: ٣٧). إن إلهنا الحكيم يعرف كيف يتعامل مع مرضي الخطية بالطريقة والأسلوب المناسبين؛ فهو يعلم أصل الداء، ولديه أنسب دواء، لكن وللأسف كثيرون يرفضون الطبيب العظيم، فاحذر يا صديقي أن تكون واحدًا من هؤلاء الرافضين لطبيب الأطباء يسوع. ليتك تدرك خطورة حالتك وتدرك قول الرب: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (مرقس ٢: ١٧).

٢. من له أذنان؟!

الأذان، رغم صغرها، هي من أهم أعضاء جسم الإنسان، والسمع من أهم الحواس، لذا نصحنا الرب يسوع «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (متى ١١: ١٥).

وما يميِّز طبيب عن آخر هو موهبته وقدرته على تمييز دقات ونبضات القلب وسماع أصوات الأعضاء الداخلية، بواسطة السماعة الطبية؛ ليتمكن من تشخيص المرض بالصورة السليمة والتي تساعده علي وصف الدواء الصحيح.

أعزائي، كثيرًا ما نتعرض لأصوات كثيرة من حولنا، لذا ليتنا نتدرب على سماع صوت الرب وتمييزه بين أصوات صاخبة مضلِّلة. قال الرب يسوع: «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا ١٠: ٢٧، ٢٨). والسمع مسؤولية؛ فالنازفة «لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ... وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ» (مرقس٥: ٢٧). وهكذا المرأة الكنعانية «سَمِعَتْ بِهِ، فَأَتَتْ» (مرقس٢٥:٧). يا ليت لسان حالنا يكون دائمًا كصموئيل: «تكلم لأن عبدك سامع» (١صموئيل ٣: ١٠).

تكلمن يا سيدي.. فصوتك يلذُّ لي.. ما أحلي صوتك.. ما أشهي قولك.

٣. لست صغير أو مهان

صفيحة معدنية صغيرة، مغطّاة بالأتربة، مُلقاه جانبًا، مصيرها الطرح في سلة المهملات؛ صارت مصدرًا للإلهام والاختراع. وكم من أناس أحسوا بالصغر والتحقير لكن استلمتهم النعمة وعملت بهم وفيهم أعظم تغيير. قال يسى عن ابنه داود «الصَّغِيرُ، وَهُوَذَا يَرْعَى الْغَنَمَ» (١صموئيل ١٦: ١١)، في حين أن الله في حكمته ونعمته كان يري في هذا الصغير ملكًا وإناءً للوحي. وأيضًا نظرة جدعون لنفسه «هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي» (قض ٦: ١٥)، لكن نعمة الرب عملت من هذا الأصغر جبار بأس ومخلصًا للشعب. وعندما صرخ إرميا قائلاً: «آهِ، يَا سَيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ» (إرميا ١: ٦)، طمأنه الرب بالقول: «لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ، لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ» (إرميا ١: ٧-٨). بينما أقرَّ بولس إنه «أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ» (أفسس ٣: ٨)، لكن النعمة عملت منه إناء للوحي وأعظم القديسين والمبشرين في العهد الجديد!!

أصدقائي، أحيانًا كثيرة قد نقف صغارًا وضعاف أمام المسؤوليات والتحديات التي أمامنا، قد يقلِّل أو يصغِّر مننا من هم حولنا، فنفقد ثقتنا في إلهنا ومخزن البركات المُعدَّة لنا، لكن دعونا نلتفت إلى كل إحساناته ومراحمه الجديدة لنا في كل صباح؛ عندها سنجد أنفسنا نهتف بعلو الصوت مع أبينا يعقوب «صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ» (تكوين٣٢: ١٠).

صلاة:

سيدي الغالي المسيح:

إنني فعلاً من شروري خجلان..

لكني آتي إليك وفي قلبي إيمان..

أن ترحمني وتمنحني الغفران..

أنت وحدك صاحب الحنان..

اقبل توبتي لأعيش معك دائمًا فرحان.