من حين لآخر يشعر المرء أن لديه أمرًا هامًا يريد أن يُشارك به الآخرين، خصوصًا إن كان يشعر بالخطر، أو بأهمية ما ينبغي أن يُشارك به في تلك اللحظات. من هذا المنطلق قررت أن أكتب لك أخي القارئ العزيز لأن الأمر - بالنسبة لي على الأقل - في غاية الأهمية والخطورة معًا. ففي كل زمان يطلّ علينا الشيطان بحيل خبيثة، وأفكار مسمومة، ليس الهدف منها إلا التضليل، والتشتيت. فاسمح لي أن أشاركك في هذا العدد، وبعض الأعداد القادمة ببعض الأمور التي نحتاجها جميعًا حتى لا نسمح للشيطان أن يتسلل لحياتنا من خلال بعض الثغرات التي قد تبدو صحيحة، لكنها تحمل في طياتها سمومًا وشرورًا، قد تؤدي بنا للضياع والضلال. وأبدأ معك بموضوع “لاحظ نفسك”
١- إنها فرصة ذهبية
أراها فرصة ذهبية لنا جميعًا عندما يحاول الشيطان إرباكنا وتشتيت أذهاننا بين هذا الفكر وذاك، بين تعاليم يقولها فُلان، وتعاليم أخرى يُنادي بها فُلان. ليست الفرصة الذهبية في أن أقف لأراقب الموقف، أو حتى انتظر اللحظة التي ينتصر فيها أحد الفريقين. بل هي فرصة ذهبية لأمسك بكتابي المقدس، وأبحث بكل جدية وإخلاص في الأمر حتى يفتح الرب عينيَّ وذهني لمعرفة الحق، ومن ثم أتحرر من كل قيود فكرية جعلتني مرتبكًا ومتحيرًا. إنها بالفعل فرصة عظيمة لا تدعها تفوتك. فكم من مؤمنين بدأوا رحلة معرفتهم بالله، ودراستهم لكلمته عند هذه المرحلة، فتبدَّدت شكوكهم، وانهارت مخاوفهم أمام عظمة كلمة الله. والأروع أنهم استمروا يدرسون ويقرأون الكتاب المقدس حتى بعد ما عرفوا ما كانوا يريدون معرفته؛ لأن كلمة الله حية وفعَّالة. ومن يتمتع بحلاوتها لا يستطيع أن يُقاوم متعة دراستها واللهج بها. ليتنا نتعلم من أهل بيرية المذكور عنهم «وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟ فَآمَنَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ» (أعمال ١٧: ١١). فإيمانك الراسخ بالحق سيأتي بعد أن تمتحن، وتفحص، وتتجوَّل في كلمة الله بكل نشاط لتعرف هل ما تسمعه هو ما تعلِّمه كلمة الله أم لا.
٢-لاتنخدع بالبريق
من أخطر ما يفعله الشيطان أنه يُقدِّم بضاعته في صور بديعة، وشكل برَّاق. فهو لن يقدِّم لك السم في أوانِ متسخة، أو معنونة بأن فيها “سم قاتل”! لقد جعل حواء في يومها ترى شجرة معرفة الخير والشر بهجة، وشهية، وجميلة، وهكذا يفعل حتى اليوم. احذر من الطُرق الخادعة التي يُقدِّم بها الشيطان بضاعته. فما أروع الحرية، ومن يختلف على ذلك، لكن الشيطان يُقدم لك كل أشكال العبودية والذل والمهانة في صورة الحرية. تأسفت كثيرًا عندما قرأت على صفحات التواصل الإجتماعي كلامًا مكتوبًا من أحد الشباب يسخر فيه من كلمة الله وما يقوله خدام الرب بخصوص كلمة الله، ولم يتردد في أن يستشهد ببعض العبارات الساخرة الموجودة في الأفلام السينمائية ليؤكد سخريته من الفكرة. لكن ما جعلني أزداد حزنًا وأسفًا هو تفاعل بعض الشباب معه إما بالضحك، أو التشجيع على الاستمرار في ذلك، أو التأكيد على ذات الأفكار. ووجدت أيضًا مجموعة ليست بقليلة من الشباب المُفكِّر، الذين لم ينساقوا وراء هذه الخدعة وأعلنوا رفضهم للسخرية من أمور الله، وتناول هذه الأفكار المقدسة بمثل هذه الطريقة الغير لائقة. وهكذا يستخدم الشيطان السخرية تارة، والكلمات المعسولة البراقة تارة أخرى، والشعارات الرنانة مثل “كن حرًا” “فكِّر خارج الصندوق” “انطلق ولا تدع أحد يُقيدك” كل هذه العبارات صحيحة في معناها، لكن الشيطان ذكي جدًا في استخدامه لهذه الكلمات فيما يُفيد قضيته. انتبه قارئي العزيز من مثل هؤلاء ولا تسمح لنفسك بأن تنساق وراء من يسخر من كلمة الله، ومن يُقلل من شأنها مُدعيًا أنه بذلك يُمارس حريته، ويفكر كما لم يُفكر أحد من قبل. ومن أقوى دلائل خطورة هذا الأمر أنك ستجد نفسك بعد وقت من متابعة مثل هؤلاء أنك أصبحت لا ترتاح في الوجود داخل كنيستك، كما أن لُغتك أصبحت حادة وقاسية مع من هم أكبر منك، أو خدام الكنيسة. إن شعرت أنك افتقدت اللياقة في الحديث مع الآخرين فراجع نفسك من فضلك. «دِيُوتْرِيفِسَ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا... هَاذِرًا عَلَيْنَا بِأَقْوَال خَبِيثَةٍ... لاَ يَقْبَلُ الإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا الَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ الْكَنِيسَةِ. أَيُّهَا الْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِالشَّرِّ بَلْ بِالْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ الْخَيْرَ هُوَ مِنَ اللهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ الشَّرَّ، فَلَمْ يُبْصِرِ اللهَ» (٣يوحنا١: ٩-١١).
٣-الحياة تتكلم
أدعوك أن تُلاحظ حياة هؤلاء الذين يُلقون الأفكار الغريبة في ذهنك، ولا تنخدع بالمظهر الخارجي الخادع، الابتسامة الماكرة التي يرسمونها على شفاههم وهم يشوِّهون صورة الجميع أمامك: صورة الخدَّام، صورة الكنائس، صورة الشيوخ، ثم ينقلبون على كلمة الله ليؤكدون لك أن بها أخطاء علمية وأخطاء تاريخية كثيرة، بعدها يذهبون للأبعد ويشوهون صورة الله فيؤكدون لك أن المسيح كان قابلاً للسقوط في الخطية. وهكذا تجد كل ما يجعلك تقف ثابتًا راسخًا يهتز أمامك، وتشعر بالدوار الروحي، وبعد شهور قليلة تجد أنك لا تثق بأحد، ولا تؤمن بشيء. حتى قراءتك للكتاب المقدس أصبحت للنقد، وتوجيه الأسئلة التي اعتدت تسمعها منهم. لقد تسمَّم ذهنك بأفكارهم المسمومة. وأصبحت نسخة منهم وأنت لا تدري. لكن دعني أسألك: هل من الطبيعي أن يُحدِّثني الخادم الروحي طوال الوقت عن عيوب الآخرين، وعن أخطاء كلمة الله؟ لماذا لا يأتي يومًا مشجعًا إياي بآية أو فكرة روحية تجعلني أقضي وقتًا أطول في الصلاة، ودراسة الكلمة بحب؟ لماذا لا يُعلمني ما تعلمناه جميعًا من المسيح أن نلتمس العذر لرجال الله لأنهم بشر مثلنا؟ لماذا لا يشجعني أن أصلي لأجل خدام الله، ولأجل انتشار كلمة الله أكثر؟ لماذا لا أقرأ على صفحته إلا كل الأسئلة التي تُزيد من شكوكي وارتباكي وحيرتي؟ الإنسان الروحي لا بد وأن يسلك بحسب كلمة الله التي تجعل منه صادقًا، أمينًا مُحِبًا. تأمل معي في كلمات بولس لتلميذه تيموثاوس: «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي»، ثم يستطرد ليقول له في ذات الحديث: «وَلكِنَّ النَّاسَ الأَشْرَارَ الْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ. وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تيموثاوس٣: ١٠–١٧).