نشأته :
ولد حوالى سنة 344 ميلادية فى مدينة أنطاكية، وكان أبوه غنيا يدعى سكوندس وكان وثنيا لكنه تأثر بحياة زوجته التقية نثوسا وصار مسيحيا حقيقيا ولكنه رقد بعد ميلاد يوحنا بوقت قصير فقامت أم يوحنا بتربية ابنها رافضة الزواج رغم أنها كانت فى سن العشرين مكرسة حياتها لابنها يوحنا.
منذ الطفولية : علمت انتوسا يوحنا ابنها الأسفار المقدسة التى تأثر بها كثيراً. وتعلم يوحنا كذلك البلاغة والمنطق عند أعظم معلمى ذلك العصر وكان نبوغه عظيما فى هذه العلوم مما أثار دهشة معلميه. وبالرغم من ذلك فقد شب وترعرع على مبادئ التقوى والاستقامة، حتى ان ليبانيوس الفيلسوف الوثنى الشهير لما رأي مقدار اعتناء هذه المرأة بولدها صاح "يالنساء المسيحيين!". ü
يوحنا والكتاب : ولما رقدت والدته انتقل من أنطاكية إلى أحد الأديرة بالحبال قرب المدينة، وهناك انكب على دراسة الكتاب المقدس. ويقال أنه حفظه عن ظهر قلب ثم عاد إلى انطاكية ورُسم هناك شماساً ثم قسيساً وعهد إليه بخدمة الوعظ بين الجماعة.
ظـهور الموهبة :
ومذ ذلك الحين أخذ يعظ بفصاحة نادرة تغلب العقول وتسلب القلوب. ويقال بأن عظاته كانت تتدفق من فمه كالذهب والجواهر ولذا سُمى بيوحنا ذهبى الفم. وقد كانت عظاته كتابية خلاصية مؤثرة تهز قلوب الخطاة وترعبهم وتبكت الأغنياء وتستحثهم على البذل والعطاء وتميزت بالبرهان الساطع مما جعل الجماهير تلتف حوله وتستمع إليه وهى تذرف الدموع العزيرة.
يوحنا كراعى :
وفى عام 398 رُسم يوحنا ذهبى الفم بطريركاً فى القسطنطينية رغماً عما أبداه من مقاومة تواضعا منه، وقدم يوحنا لاقدوة لشعبه فى حياة البساطة والبذل فكان يداوم على زيارة المرضى والمسجونين وقد أقام مستشفيات كثيرة ومنازل للغرباء وملاجئ. وقد قال مرة لرعيته "إنى أحبكم أكثر من عينىّ، ولو كان لى أن أعطيكم -بفقد بصرى- نوراً لفضلت العمى لأجلكم".
وكان الجميع يحبونه ويحترمونه رغم تأنيبه لهم على خطاياهم ولقد تأثر الكثيرون بحياته حتى لقبوه "بولس الثانى" لأن يوحنا ذهبى الفم أرسل الحملات التبشيرية للكرازة بالانجيل بين الوثنيين.
أعداء كثيرون :
كان ليوحنا ذهبى الفم أعداء كثيرون ولا غرابة فى ذلك فإنه إذ أراد أن يعيش بالتقوى فى المسيح يسوع كان لابد له أن يضطهد لأنه كان يندد بأى انحراف يراه فى أى انسان مهما كان. وكان يتحلى بشجاعة أدبية لا تخشى الأغنياء والعظماء حتى الامبراطورة نفسها لامها فى أمور كثيرة. ونجح أعداؤه فى تلفيق تهم كثيرة له بلغت ستة وثلاثين تهمه وعقد مجمع لينظر فى هذه التهم وصدر عليه حكماً بالنفى ولكن الرب تدخل وأنقذه.
ولكن الامبراطورة عادت توعز إلى الامبراطور بنفيه حينما ندد بتمثال الامبراطورة التى أمرت بوضعه أمام الكنيسة وتقديم نوع من العبادة له. ونفى يوحنا ذهبى الفم ونقلوه من منفى إلى آخر لمدة ثلاث سنوات، لكنه الرجل احتمل كل شيئ بصبر عجيب وفى الطريق إلى منفاه الأخير ظهرت عليه علامات الموت فأدخلوه إلى كنيسة صغيرة حيث صلى صلاته الأخيرة ورقد فى الرب بعدما بلغ من العمر نحو ستين سنة. وهكذا انتهت حياة واحد من ابلغ وأشجع وأعظم الرعاة فى القرون الأولى للمسيحية.