في كلّ يومٍ أرى شيئًا مقروضًا في غرفتي: دفترًا، أوراقًا، منديلاً وأشياء أخرى كثيرة. عرفت أنّ فأرًا هو الذي يعبث في غرفتي بلا خوفٍ أو رقيب، ماذا أفعلُ؟ فكّرتُ طويلاً، رسمتُ قطّةً بأقلام ملوّنة، القطّة كانت فاغرةً لفاهها، ومكشرّةً عن أنيابها، ووضعتها بصورة واضحة أمام مكتبي، وأمامها من الجهة الثانية مرآة، لكي تظهر على أنها قطتين لا قطّة واحدة. كلّ شيء كان سليمًا في غرفتي في اليوم الأول وضحكت، وكذلك بقيتْ حاجياتي كما هي. في اليوم الثّاني، ابتسمتُ وقلتُ في نفسي لقد انطلت اللعبة على الفأر. ولكن عُدتُ في اليوم الثالث من المدرسة وجدتُ صورة القطة وقد شُطب عليها بالقلم الأحمر بعلامة
×، ومكتوب تحتها، انخدعت بقطّتك المزيّفة هذه ليومين، هذا يكفي! وهكذا عادَ الفأرُ إلى عملهِ السابق في غرفتي، وعدتُ أنا لأفكِّر بخطّة جديدة للتخلّص منه.
أعجبتني القصة لأن هذا ما يحدث مع الكثيرين، الذين يعانون من ألاعيب إبليس المخرِّب الذي يقرض الأموال والأوقات، ويقرض أشياء وأشياء فتضيع دون فائدة هباءً، بل العمر نفسه يمكن أن يتبخر ويضمحل، أو كما قال موسى رجل الله: «أيام سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِير» (مزمور٩٠: ١٠).
قد تحضر اجتماعًا رائعًا مشجِّعًا، أو مؤتمرًا عظيمًا معزيًا، وتعيش بنشوته فَرِحًا منتصرًا على إبليس وألاعيبه لمدة يوم أو يومين، أو قُل أسبوع أو اثنين، كما انتصرت القطة على الفأر، ووضعت حدًا للخسائر وقرض الأشياء في قصة صاحبنا الوهمية. ثم نفاجأ بخسارة أخرى وسقوط آخر، وهلم جرا. وهنا نسأل: ما السبيل للنصرة، والخروج من الأزمة؟ ووضع الحد لأعمال إبليس التخريبية، وهيمنته وسلبه للإرادة البشرية، وجرجرة الإنسان لعمل أشياء لا يقدر على فعلها إن أراد، ولا يريد أن يفعلها إن قدر. كيف ننتصر على هذا الفأر المدمِّر للصحة وللوقت؟ وللمال بل وأحيانًا للشرف والكرامة؟
صديقي وصديقتي: لكي ننتصر، علينا أن نتعرف على شخص عظيم غالب، قد انتصر على الخطية، بل وعلى إبليس والموت والعبودية.
اعرف المنتصر العظيم
المسيح هو الشخص الوحيد الذي انتصر على إبليس، في التجربة الثلاثية، وهي: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة (متى٤ ولوقا٤). انتصر عليه في البرية، كما وانتصر عليه في بستان جثسيماني. على أن الانتصار الأكبر كان هناك في الصليب، عندما ظن الخصم أنه بصلب المسيح وموته قد ظفر، لكن قام المسيح من القبر، وغلب الموت وانتصر. فالمسيح أحرز نصرة عظيمة على الموت وعلى إبليس: «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ - خَوْفاً مِنَ الْمَوْتِ - كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ» (عبرانيين٢: ١٤-١٥). وهنا نناشد كل المغلوبين المهزومين أن يُقبلوا إلى المسيح المنتصر، ويَقبلوا عمله فيتمتعوا بالنصرة كما تمتع بها بولس وراح يهتف قائلاً: «وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ» (٢كورنثوس٢: ١٤).
رافق المولودين المفديين
يقول المرنم: «رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ» (مزمور١١٩: ٦٣)؛ وذلك لأن: «اَلْمُسَايِرُ الْحُكَمَاءَ يَصِيرُ حَكِيمًا وَرَفِيقُ الْجُهَّالِ يُضَرُّ» (أمثال١٣: ٢٠)، ولأنه مكتوب: «اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ» (جامعة٤: ٩-١٠). صحيح يجب علينا أن نهرب من الشهوات الشبابية، هذا من جهة، لكن من الجهة الأخرى علينا أن نتبع: «الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس٢: ٢٢).
الهج في الكتاب الثمين
إن خطة الله لنا أن نكون كالجنود المنتصرين دائمًا لذلك يقول الرسول بولس: «فَاشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (٢تيموثاوس٢: ٣). وعلى المؤمن المسيحي أن يجاهد لكي يغلب ومكتوب: «وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ» (رؤيا١٢: ١١). والتدُّرب على كلمة الله واللهج بها، يساعدنا على النصرة، وكلمة الله تجعلنا أقوياء في الرب. وتذكَّر أن كلمة الله هي سلاح حربنا ضد أعداء شرسون لا يملّون ولا يهدأون، فطالما نحن هنا الحرب مستمرة ولن تهدأ حتى ندخل إلى راحتنا الأبدية، لذا وجب علينا اليقظة والسهر.
إن أعداء الصلاح |
| في الوغي أسود |
فعليكم بالسلاح |
| أيـهـا الـجـنود |
فلكي تغلب إبليس يا صديقي، لن ينفع معك كل قطط العالم، فهي قد تكون مفيدة مع الفئران، لكن ليس هكذا مع الشيطان، إنما الغلبة الأكيدة، والنصرة أكيدة، هي في المسيح الذي سحق رأس الحية و«جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ (أي في الصليب)» (كولوسي٢: ١٥).