قد تدخل بيتًا وتجد حائطًا من حوائطه عليه علامات متدرجة وبجوارها تواريخ، عادةً ما تكون العلامات هي أطوال الأولاد، التي تعكس نموهم إذ يتقدَّم بهم العمر. ومما لا شك فيه أن التدّرج يكون ملحوظًا، طالما ليست هناك أمراض تعوق النمو.
يزيد طول الرضيع حوالي ٢٥ سم في السنة الأولى لولادته، ثم يقل المعدل ليصبح ١٠ سم تقريبًا في السنة الثانية، ثم يقل المعدل لفترة، ثم يرجع ليزيد ثانية في فترة المراهقة.
في أيامنا أصبحت أمور كثيرة تتحقق بسرعة مذهلة، بعض الإنجازات مثل السفر لمسافة طويلة، أصبح ما يمكن تحقيقه في ساعات، كان يحتاج ربما إلى أسابيع من بضع سنين مضت.
التحدي الذي أصبح يواجهنا، هو أن ندّرب أنفسنا، بقدر من الصبر والانتظار والمثابرة، في الأمور التي لا نحصل عليها.
هذه الأمور مثلها مثل النباتات التي تختلف عن بعضها في سرعة نموها، ففي الوقت الذي لا تحتاج فيه شجرة السنط مثلاً، إلا لعام واحد تقريبًا لكي تنمو ويزيد ارتفاعها بحوالي عشرة أمتار، الأمر الذي يجعلها من الأشجار الأسرع نموًا في العالم، تجد شجرة أخرى مثل شجرة الصنوبر، تنمو ببطء شديد ولكنها تواصل نموها لعقود. وكأي نمو، فالنمو الروحي له ملامحه وقوانينه.
لكني أريد أن أتوقف معك فقط عند فكرة النمو بثبات حتى وإن كان ببطء. مما لا شك فيه أن كل ابن لله يبدأ حياته الجديدة، بنمو واضح وملحوظ في مجالات الشركة مع الرب والمؤمنين، والشهادة للرب مثلما كان واضحًا في شاول (أعمال٩)، ومؤمني تسالونيكي الذين ظهر عمل إيمانهم وتعب محبتهم وصبر رجائهم (١تسالونيكي١: ٣)، بعد فترة وجيزة من قبولهم للإنجيل، وهذا دليل على الحياة.
الحياة الإلهية في كيان أولاد الله، لا تتوقف عن النمو متى توفر لها الغذاء المناسب والأجواء التي تحفِّز النمو، ومتى اجتهدنا لنتخلص من كل ما يعيق نموها. لذا فالرسول بولس يرجو لمؤمني تسالونيكي أيضًا نموًا مستمرًا، قائلاً «وَالرَّبُّ يُنْمِيكُمْ» (١تسالونيكي٣: ١٢).
هناك مثل يتداوله الناس يقول “المداوم غلب الشاطر” ويعني أن المثابرة قد تعّوض نقص الإمكانيات، فكم من تلميذ مثابر حقَّق درجات أكثر من آخر قد يكون أكثر منه ذكاءً، لكنه أقل منه مثابرة، وهكذا. هذا الأمر سارٍ أيضًا - من زاوية ما - في أمر النمو الروحي.
كل يوم
يشجِّعنا الكتاب أن نواظب كل يوم على التغذية الروحية، مثلما فعل الرب مع شعبه في البرية، إذ كان يعطيهم طعام كل يوم بيومه من المن (خروج١٦)، ويشجعنا أيضًا على عبادة الرب كل يوم (٢أخبار٣٠: ٢١)، وخدمته كل يوم (مزمور٦١: ٨)، ودراسة كلمة الله كل يوم (أعمال١٧: ١١)، والصلاة والشركة الشخصية مع الرب كل يوم (مزمور٨٨: ٩؛ أمثال٨: ٣٤)، وشركة المؤمنين كل يوم (أعمال٢: ٤٦)، وتبعية الرب كل يوم وحمل الصليب (لوقا٩: ٢٣)، والجهاد ضد الخطية كل يوم (قضاة١٦: ١٦؛ تكوين٣٩: ١٠).
لو فكَّرنا في هدفٍ لحياتنا وقلنا “مفيش وقت”، يجب أن نخلق له الوقت حتى لو كان قليلاً في البداية.
انشغالنا المستمر بالماضي أو بالمستقبل، يضيع تركيزنا واستفادتنا من اللحظة الحاضرة. نحن مدعوون أن نستمتع ونستفيد من “هنا” و“الآن”.
قسِّم أهدافك الكبيرة إلى أهداف صغيرة، بعضها يمكنك تحقيقه في يوم واحد.. أنجز التحدي.. احتفل بنجاحك ثم ضع هدفًا أكثر طموحًا بمقدار معقول عما حققته.
قيمة الـ“واحد”
في الوقت الذي تبدو فيه ساعة واحدة، إنها وقت قليل جدًا لو أردنا إنجاز عملاً عظيمًا، إلا أن ساعة كل يوم لمدة سنة كاملة يمكن أن تعمل الكثير.
فمثلاً قد تقرأ فقط بضعة إصحاحات من الكتاب المقدس في ساعة واحدة، إلا أن ساعة واحدة كل يوم من القراءة بانتظام تجعلك تقرأ الكتاب المقدس كله في ثلاثة شهور تقريبا! هل تخيََّلت ذلك من قبل؟!
ولو قرأت إصحاحًا واحدًا كل يوم ستقرأ الكتاب كله في ثلاث سنوات تقريبًا.
اختر الأمر الذي يناسبك لكن واظب وثابر وتطوَّر.
إن كان النمو الروحي هو هدفك، فعمل شيء واحد كل يوم بانتظام في اتجاه نموك الروحي يحقِّق نموًا عظيمًا على مدى السنين.
انظر إلى أيّ شجرة عملاقة أو مبنى عملاق، وتذكَّر أنه كان يزيد كل يوم بمقدار ضئيل لكن باستمرار وثبات.
تكوين عادات
الممارسة المنتظمة لأي أمر تكوِّن منه عادة، في البداية تكون صعبة وتحتاج إلى مجهود وتركيز كبيرين، ثم تصبح أمرًا يسهل القيام به.
الصلاة مثلاً من الأمور التي نحتاج أن نتدرَّب عليها حتى تصبح عادة، كان دانيآل له هذه العادة (دانيال٦: ١٠) والمثال الأعظم، الرب يسوع المسيح، كان له هذه العادة (لوقا٢٢: ٣٩).
لذا يحرِّضنا الكتاب على الصلاة بمواظبة (كولوسي٤: ٢)، والصلاة كل حين (لوقا١٨: ١).
الذين يقضون ساعات في الصلاة تدرَّبوا على هذا بعد سنين طويلة. لا تستصعب الأمر أنت أيضًا تستطيع.
قال رجل الله جورج مولر - المعروف برجل الإيمان ورجل الصلاة - “كلما قَلَّت قراءتنا لكلمة الله قَلَّت رغبتنا في قراءتها، وكلما قَلَّت صلواتنا قَلَّت رغبتنا في الصلاة”.
هناك مجالات كثيرة يمكن أن يحدث فيها ذلك. حدِّد أهدافك، وارسم خطتك، وأبدأ بالتنفيذ والأهم أن تثابر. وفي النهاية، ونحن نتحدث عن النمو الروحي، لا تظن أن الله يكره الطفولة، الذي لا يريد الله أن يراه في أولاده أن يظلوا أطفالًا في وقت من حياتهم كان يجب أن يكونوا قد وصلوا فيه إلى درجة طبيعية من النضوج. اطلب معونته واستفد من كل ما يهبنا، إنه في معونتك.