في أبريل من عام ٢٠٠٣، ذهب المغامر إرون رالستون لتسلق جبل في صحراء يوتاه غرب أمريكا. لم يتخيل إرون أن مغامرته هذه ستكون تجربة رهيبة يمر من خلالها بأصعب اللحظات وأكثرها ألمًا في حياته، فبينما هو يتخذ طريقه نزولاً من الجبل، وأثناء مروره في وادٍ ضيق، سقطت فوقه صخرة تزن قرابة ال٤٥٠ كجم. وفي محاولة منه لصدها، هوت الصخرة على ذراعه اليمنى لتبقيها محشورة في الفراغ الضيق. رغم محاولاته لتحرير يده العالقة، لم تنجح أيًّا منها نحو الخمسة أيام. ظل إرون يصارع الجوع والعطش والموت. وفي نهاية اليوم الخامس، عندما يئس تمامًا من مجيء أحدهم لإنقاذه، قرَّر في خطوة شجاعة التخلص من يده العالقة. قام بذلك بواسطة السكين الصغيرة التي يملكها، بدأ بتقطيع الشرايين والعظام ببطء شديد لتكلفُه هذه العملية خمس ساعات من الألم المتواصل وتمكن في النهاية من التحرر من يده ومواصلة طريق العودة.
ماذا فعل إرون؟
إنه بإرادته تخلص من ذراعه كي ينقذ كل حياته، لو ظل عالقًا من يده لفقد حياته كلها!
هل تعلم أن الرب يسوع المسيح نصحنا أن نعمل شيئا مشابهًا! تمهل من فضلك واقرأ بقية المقال لئلا تسيء فهمي.
لقد قال لنا الرب يسوع «فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا، وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا... إِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا!» (متى١٨: ٧-٩؛ مرقس٩: ٤٣-٤٨).
بالتأكيد إن الله، إله الكتاب المقدس، لا يمكن أن يطلب منا القطع الحرفي لأعضاء ثمينة في أجسادنا؛ لأن أجسادنا عطية صالحة وثمينة منه وهو يأمرنا بالاهتمام بها «فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ» (أفسس٥: ٢٩). والمسيح قد اشترى بدمه على الصليب ليس فقط أرواحنا ونفوسنا بل أيضًا أجسادنا. كما إن الخطية تصدر أولاً من قلوبنا قبل أن ننفذها بأعضاء أجسادنا، والكثير من الخطايا تظل خطايا القلب والفكر والمشاعر.
كما أن الكتاب يعلن أن الله يكره إيذاء الجسد «أَنْتُمْ أَوْلاَدٌ لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ. لاَ تَخْمِشُوا أَجْسَامَكُمْ (يخمش: يقطع جزء أو يجرح)» (تثنية١٤: ١). ولطالما كانت العبادات الوثنية مرتبطة بإيذاء الجسد لإرضاء الآلهة، وكان يصل الأمر لتقديم الذبائح البشرية لترضى الآلهة الوثنية!
ماذا يجب أن نفعل بأجسادنا؟
الكتاب المقدس يشجعنا، كأولاد الله، أن نقدم أجسادنا لله «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ» (رومية١٢: ١). «لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (١كورنثوس٦: ٢٠). والمعنى واضح، وهو أنه بالفداء أصبح للمسيح الحق في أجسادنا فيجب أن نكرِّسها له.
ثم إن أجسادنا هي المنفذ الفعلي لما يدور في رؤوسنا، فكيف نفتكر أننا نحب الرب ونكرمه بأفكار جميلة ثم نتصرف بطريقة لا تؤكِّد ذلك؟!
إن أجسادنا هي هيكل للروح القدس الساكن فينا، فأيَّة قداسة يجب أن نسلك فيها؟!
ليس فقط أجسادنا بالجملة، بل أعضائنا بالتفصيل «وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ ِللهِ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ» (رومية٦: ١٣، ١٩).
إن الخطية تستعمل أعضاء الجسد كي تغزو وتسيطر على كل الكيان الإنساني «أَهْوَاءُ الْخَطَايَا تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي» (رومية٧: ٥)، «لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُم» (يعقوب٤: ١).
والمعنى واضح، هناك صراع بين الخطية والبر، بين الإنسان العتيق والإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق (أفسس٤: ٢٤). وغرض هذا الصراع هو السيطرة ليس فقط على الأفكار والتوجهات بل أيضًا على أعضاء الجسد، كل منهما يريد عبيدًا تخدمه؛ ونحن الذين نحدد من ستخدم أعضائنا!
هذا – في رأيي – ما كان الرب يسوع يقصده بقوله “أقطع يدك”، أكرِّر أنه من المؤكد لم يقصد الاستئصال الإرادي المادي لهذا العضو الهام في أجسادنا، لكن يقصد: لا تشفق على ذاتك وأنت تتعامل مع الخطية، تألم لأقصى درجة وأنت تواجهها، ضحي بالأغلى إن كان يسبب سقوطًا متكررًا لك في الخطية، عِش بقية حياتك مفتقدًا لبعض الأمور ومتألمًا للحرمان منها بدل أن تخسر حياتك كلها وتهلكها.
ألم يحرض الرسول بولس المؤمنين أن يجاهدوا حتى الموت ضد الخطية «لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ» (عبرانيين١٢: ٤)، بمعنى ليجاهدوا ضد الخطية وإن كلفهم الأمر حياتهم.
لكن لماذا يجب أن نضحي في صراعنا ضد الخطية إلى هذا الحد؟
«الْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدًّا» (رومية٧: ١٣)، و«لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ» (أمثال٧: ٢٦)، ولأن من يعيش بحسب جسد الخطية فسيموت (رومية٨: ١٣).
إن أقوي دافع للنصرة على الخطية هو أن نبغضها أولاً «يَا مُحِبِّي الرَّبِّ، أَبْغِضُوا الشَّرَّ» (مزمور٩٧: ١٠).
نحن نحب الحياة التي بحسب فكر الله، ونكره الموت الذي تسببه الخطية «لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِالْمَكْرِ، لِيُعْرِضْ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْنَعِ الْخَيْرَ» (١بطرس٣: ١٠-١١).
لنتعلم من يوسف الذي حفظ نفسه طاهرًا فلم تغلبه ضغوط شهوات الخطية ولنتحذر من شمشون الذي ترك عينيه تنظران وتشتهيان، ففقد قوته وانتذاره للرب ثم فقد عينية وحياته كلها!
هل نحن على استعداد أن نضحي بأمور غالية في سبيل العيش بالتكريس الحقيقي للرب؟
ليتنا نفعل ذلك، نخسر بعض الأمور كي نربح حياتنا كلها ولأجل للرب تهون كل تضحية.