يا نحميا... بتعمل إيه؟!!
بابني السور أنا والشعب.
سور إيه يا نحميا!! إنت مجنون!! البلد كلها خربانة وإنت اللي فارق معاك السور؟!
الحقيقة آه... بدايتي هي السور.
...!!!
هاخلَّصه وافهمك...
يا ترى نحميا مجنون فعلاً ولا شايف حاجة أبعد مني؟! سور هو البداية؟!!
طب مش سور يعني حبسة؟ هتعزلهم يا نحميا؟ هيزهقوا من القعدة ونفس الروتين يا نحميا!!
بعد وقت... جِه وفهمني...
السور كان بداية لرؤيته في وضع حدود واضحة للشعب وأراضيه و“تحديدها”. بداية لإدراكه لهُويته: هو مين، وإيه ملكه ويخصه وإيه لا؟ بداية لتفرده واختلافه عن شعوب الأرض.
وحياتنا بكل ما فيها من عطايا وإمكانيات وموارد هي المدينة دي.. متداخلة مع الآخرين. بنشارك ونتفاعل ونستثمر فيها، من علاقات، وأفكار، ومشاعر، ووقت، وطاقة.
من غير حدود واضحة “لأراضينا” هيتم سرقتها والتعدي عليها، وأوقات هتُستخدم لصالح العدو ضدنا.
من غير حدود هتدوب هويتنا وتتشوه معالمنا بكل ما هو دخيل.
لكن السور مش بيتبني لوحده أو بيجي تلقائي، لازم نحميا يقرَّر يبنيه الأول، والحدود هكذا.
الحدود مسؤولية. مسؤوليتي أنا. إني أعرف أنا مين وإيه حقي وإيه واجبي. إني أكون واعي روحيًا ونفسيًا واجتماعيًا، وشايف كل ما أملكه من وزنات، فأقف أدافع عنه ضد المعتدي، واستثمر فيه واكبَّره.
النهاردة واحدة من أهم الأدوار لينا في الحياة إننا نقف نحمي السور، ونعرف إيه يدخل من الأبواب لحياتنا وإيه لا. نقف بحسم وناخد قرارات. نسد ثغرات السور بوعي. نسهر على السور ونصلي بعنين قادرة تميِّز.
هل السور والحدود ضد الحرية؟ هل نحميا فعلًا حبس الشعب؟ الشعب انعزل أو اتأخر عن باقي الشعوب حواليه؟
الحقيقه لا.. بالعكس، السور والشريعة كانوا انطلاقة من جديد للشعب..
لأنه أقصى تفعيل للحرية بيكون دايمًا داخل الحدود الصح.
الحرية الحقيقية محدَّدة بإطار الله خالقه لينا. الإنسان الكائن المحدود، حريته من طبيعته، حريته محدودة.
علشان كدا الحرية الحقيقية السوية هي الحرية المحدَّدة بمعالم واضحة؛ فيها أنا عارف أنا مين، أنا عندي إيه، أنا أقدر أعمل إيه، إيه حقي وإيه واجبي؟
فبتحرك بأمان ووعي في أراضي تخصني وملكي، أمين في استثمارها وواعي ويقظ في حمايتها.
«مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُورٍ، الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ» (أمثال٢٥: ٢٨).