في الأعداد السابقة تأملنا في القسم الأول من الحتميات المرتبطة بالرب يسوع، والخاصة بحياته أو موته أو نتائج عمله. والآن سنبدأ بمعونة الرب في القسم الثاني من الحتميات والخاصة بالإنسان، والتي يمكن تقسيمها كالتالي:
١- حتميات لا ينبغي فعلها.
٢- حتميات ينبغي فعلها وأن تتم فينا أو بنا.
فالكتاب المقدس لا ينهي فقط عن أمور سلبية “لا ينبغي فعلها”، بل يعلم بأمور إيجابية “ينبغي فعلها”.
١. أشياء وخطايا لا ينبغي فعلها ولا يجب أن تحدث بين شعب الرب. فإن كان ينبغي على الإنسان الطبيعي والمخلوق على صورة الله ألا يخطئ، فكم بالحري على شعب الرب الذي يقترب إلى بيت الرب ليعبده! لذا وردت أوامر النهي “لا ينبغي” في سفر العبادة، سفر اللاويين خمس مرات ونلاحظ فيها:
أ) السهو في واحدة فقط من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها تفسد جو العلاقة مع الرب والعبادة لهِ «إِذَا أَخْطَأَتْ نَفْسٌ سَهْوًا فِي شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ مَنَاهِي الرَّبِّ الَّتِي لاَ يَنْبَغِي عَمَلُهَا، وَعَمِلَتْ وَاحِدَةً مِنْهَا».
ب) التحريض يشمل كل فئات الشعب: الجماعة كلها، أو الكاهن الممسوح، أو رئيس، أو أحد عامة الأرض... أي لا أحد كبير على الخطية.
لكن في كل الحالات أوجد الرب العلاج والتكفير عن الخطية بتقديم الذبيحة المناسبة (أرجو قراءة لاويين٤: ٢، ٣، ١٢، ٢٢، ٢٧ و٥: ١٧). وهنا نكتفي بهذه الإشارات لهذا القسم.
٢. نبدأ الآن في الحتميات التي ينبغي أن تحدث لنا أو فينا. فإن كان يوجد أشياء لازمة وضرورية للحياة الطبيعية ولا غنى عنها، مثل الطعام والشراب؛ كذلك في الحياة الروحية توجد أشياء لا بد منها مثل:
حتمية الولادة الجديدة
«لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ» (يوحنا٣: ٧).
تعريفها: الولادة الجديدة، الولادة الثانية، الولادة من فوق، الولادة من الله.
أهميتها:
هي من الأشياء الضرورية لجميع الناس للتعامل مع الله. والدليل على ذلك أن الرب يسوع أكَّد على هذه الحقيقة لرجل له من الامتيازات القومية والشخصية ما يجعله أشرف من الآخرين، وهو نيقوديموس. فقوميًا هو كغيره من اليهود يعتزون بمولدهم من إبراهيم، ونسبتهم لشعب الله، ومنهم الأنبياء، ولهم الوعود والعهد والهيكل بكل طقوسه. وعن الجانب الشخصي فقد كان رئيسًا لليهود، فريسي، شيخ، معلم إسرائيل، ويعلم عن المسيح أنه: آتى من الله معلمًا، وأن الله معه، وأنه يعمل آيات لم يعملها أحد. رجل كهذا يُفاجأ بقول الرب له: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (يوحنا٣: ٥).
حتمية الولادة، لماذا:
١- الإنسان الطبيعي مولود بالخطية «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور٥١: ٥). لذا يحتاج لطبيعة جديدة روحية بها يعرف الرب ويفهم أموره لأن «وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ» (١كورنثوس٢: ١٤). فالولادة هي خلق كيان روحي يتوافق مع الله ويفهم أموره.
٢- الولادة الطبيعية تؤهلني للحياة على الأرض ورؤية ما عليها وممارسة أمورها الأرضية. ولكن بواسطة الولادة الجديدة ننال طبيعة روحية نستطيع بها أن نتمتع بكل ما هو روحي.
ما لا تتم به الولادة: قبل أن نعرف الطريقة الإلهية للولادة، يهمنا أن نعلم الأشياء التي قال الرب عنها أنها لا تعطي الولادة الجديدة (يوحنا١: ١٣).
أ) ليست من التناسل الطبيعي «لَيْسَ مِنْ دَمٍ». فأي شيء يمكن أن نرثه من أبوينا إلا الولادة الجديدة، حتى وإن كان الأبوين مؤمنين أو في مجال الخدمة.
ب) ليست من مشيئة ذاتية «وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ». فعندما ولدنا من أبوينا لم يكن لنا دخل في هذا. هكذا لا يستطيع أحد أن يولد من جديد بمجهوداته الخاصة.
ج) ليست بواسطة بشرية «وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل» لا يستطيع إنسان مهما كان مقامه أو مركزه الديني أن يهب الولادة الجديدة لشخص آخر.
د) إذن فالجسد يلد جسد «اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ» فمحاولات الآباء، أو محاولات الشخص نفسه، أو محاولات الآخرين كلها جسدية ولا تنتج إلا أشياء جسدية.
هـ) ليست هي معرفة عقلية عن أمور لاهوتية، ولا معرفة الكتاب المقدس ودراسته، ولا معرفة عن الله وصفاته، ولا عقيدة دينية نعلمها للآخرين؛ فقد كان نيقوديموس «مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ»، فمن الممكن أن يكون هناك من هو مُلم بكل هذا وهو غير مولود من الله.
إن الولادة هي عمل إلهي في القلب، وخلق كيان جديد له ذات طبيعة الله، ويجريها الله وحده «مِنَ اللهِ».
كيف تتم: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ الله« (يوحنا٣: ٥).
١-
الماء: والمقصود بالماء هنا هو كلمة الله، والدليل من كلمة الله «...مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ» (أفسس٥: ٢٥، ٢٦). ونلاحظ أن الكتاب لا يقول “بغسل الماء وبالكلمة” كأنهما شيئان منفصلان. ونيقوديموس يفهم هذا من نبوة إشعياء٥٥: ١٠، ١١ «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ». نقرأ أيضًا من رسالة يعقوب١: ١٨ «شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ». ونقرأ أيضًا ١بطرس١: ٢٣ «مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ».
ملاحظة هامة: إنجيل يوحنا لا يتكلم عن أي ممارسات كنسية كالمعمودية أو كسر الخبز.
٢-
الروح: في كلام الرب عن الولادة الجديدة أشار إلى الروح ٣ مرات (يوحنا٣: ٥، ٦، ٨). فالروح القدس يستخدم كلمة الله في تبكيت الناس على خطاياهم، ثم يقودهم للرجوع إلى الله من خلال الإيمان بعمل الرب يسوع على الصليب، ويعطيهم طبيعة جديدة تفهم أمور الله وتتمتع بما في دائرة ملكوت الله من بركات روحية.
عزيزي القارئ: هل تمتعت بهذه العطية “الولادة من الله”؟ أرجو ألا تكون مخدوعًا بممارسات دينية أو انتماءات عائلية. بل يملأ حياتك ثمر الروح، وتفعل البر، ولا تفعل الخطية، وتحب الآخرين، وتعرف من هو الله بالنسبة لك، وتغلب العالم وشهواته، وتشهد للرب يسوع. هذه بعض مظاهر المولودين من الله (أرجوا قراءة يوحنا الأولي).