المَلَكات والملكيات، المواهب والبركات، المُعطَيات والهبات، الموروثات والمُقتنيات، الطاقة والقوة، الوقت والعمر، الجسد والصحة، الأرجل والحركة، الأيدي والأفعال، العين والبصر والبصيرة والرؤيا، العقل والفكر والحكمة، الأذهان والآذان، العلم والمعرفة، اللسان والكلام، البيت والعائلة، الابن أو الابنة، الزوج أو الزوجة، الأب أو الأم، الأخ أو الأخت، العلاقات والاجتماعيات، القلب والخفايا والدوافع، المال والمآل، الأمل والآمال، الهدف والوسيلة، السيرة والمسيرة، المكان والمكانة، السيارة أو حتى الطيارة، الوظيفة والمركز، القامة والمقام، الصوت والحنجرة، النوم أو السهر، اللياقة واللباقة، الرقة أو الدقة، الفكرة أو الهاتف والهواتف، المشرب والمأكل، الملبس والمظهر؛ وغيرها من أطنان الإمكانيات، جميعًا يعملون معًا، بوجودهم كلهم أو بغياب بعضهم، لهدفٍ ومسمى واحد؛ هو “الوكاله لمجد الله”. فأنت بكل ما مُنحت أو ما مُنعت منه، مخلوق لمجد الله، وقد زُوِّدت بكل ما ستحتاجه لتحقيق هذا الهدف السامي، فكل منا مؤهَّل أن يُكرم ويُمجد الله من زاوية معينة، وبطريقة مُعجزية متفردة، وفي إتجاه مختلف عن الآخرين، بداية من حامضنا النووي مرورًا بتكوين أنسجتنا وصولاً إلى طول قامتنا؛ فإننا مخلوقين كحاملي مجد لله.
جميعنا لسنا مُلاَّك؛ فكل منا له حق إنتفاع بكل هذه المعطيات، حق استثمار ومتاجرة طوال حياته هنا على الأرض، ولكن لكل منا مطلق الحرية والإرادة فى اختيار أن يحقِّق ما خُلق من أجله أو لا. والويل لنا إن لم نستخدم هذه المعطيات لمن أودعنا إياها؛ لمالكها. إن هذه القائمة التي لا تنتهي من المقومات والمعطيات والملكات كثيرًا ما ننسبها ونحتسبها لذواتنا، سالبين ومتجاهلين من أودعنا إياها، ناسين إننا إن آجلاً أو عاجلاً سنُعطي عن جميعها حسابًا دقيقًا. ستخوننا الذاكرة، ولن يسعفنا الذكاء آنذاك، ولكنهم سيشهدون بكل تفاصيل خياناتنا واستخدامها لحسابنا بكل استباحة واستهانة لهدفها الأساسي.
كيف يا عيني تجولين كما تشاءين؟ كيف يا قلبي تعبد الغريب؟ كيف يا عقلي تخطِّط لنفسك؟ كيف تُقرِّر ما يحلو لك؟ ألا تعلم أنه حتى خاتم إصبعك سيخلعونه منك وقتها؟ ألا تعرف أنك لن تخرج من هذا العالم بأي شيء سوى ما عملته ليكرم ويمجد سيد الأرض والسماء وخالق الكل؟
راجع نفسك في محضره الآن، أكتب قائمة بكل ما وُكِّلت عليه، لتبدأ العمل بموجبها بدلاً من أن تُسأل عنها في يوم لن ينفع فيه الندم ولن تجد من يقف إلى جانبك سوى الخزي والعار والخجل، فلن ينفعك الأسف ولا الأسى، ولن يكون لك مهرب من رب الكون وصاحب العطية الذي سيقف مُطالبًا أن تُعطي حساب الوكالة.
نعم إنها ليست دينونة ولا نار إن كنت مؤمنًا حقيقيًا؛ لكنها خسارة أبدية لما كنت ستأخذه من أكاليل وإكرام من صاحب المجد. لقد وضعك الله هذه المدة الوجيزة على الأرض، وينتظر منك تسوية حساب الوزنات التي أودعها إياك، فلا تُضيِّع أي لحظة في أشياء تفنى، حتى وإن كانت فضة أو ذهب، لأن دقائق العمر هنا هي الوقت الذي يقول عنه الكتاب «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا». فلك أن تستثمر حتى ضيقات الزمان الحاضر وإن كانت مؤقتة لمجد أبدي المدى.
إنها معادلة قد حَسمت نفسها في الواقع، ولكنها تحتاج أن تُحسَم داخلك؛ فتُصبح منهج القلب والفكر والإرادة، التوجُّه والأساس. فقط ازرع البذور فتتأصل الجذور ثم تظهر للنور وتنمو مثمرة وممجدة الله. إن من يعيش لمجد الله لا يحتسب لشيء ولا نفسه ثمينة عنده. ومن يضع نصب عينيه مجد الله ليكون هو الأول والآخِر، البداية والنهاية؛ لا بد وأن يُثمر لمجد الله في تفاصيل حياته اليومية، فكل زرعٍ يعملُ ثمرًا كجنسِهِ. إنها حقًا حقيقة واجبة؛ “الوكاله لمجد الله”، الذي له كل المجد شئنا أم أبينا.