بدأنا في العدد السابق بقسم الحتميات الخاصة بالإنسان، وتكلمنا عن أول وأهم حتمية وهي الولادة الثانية، والتي بها يصير للإنسان طبيعة جديدة، بها يدخل لدائرة ملكوت الله ويتمتع بكل ما هو سماوي. وهذه الطبيعة الجديدة تظهر في حياة المؤمن من خلال علاقاته الروحية المتعددة، والتي يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
١– المؤمن وعلاقته بالرب: وهنا تبرز حتمية التسبيح والصلاة والسجود وتعظيم المسيح وتواضعنا أمامه.
٢- المؤمن وعلاقته بالآخرين: وحتمية رحمة الآخرين كما رُحمنا نحن، وقُبول الآخر كما قبلنَا الرب، وإظهار المحبة العملية لهم.
٣- المؤمن وعلاقته بالخدمة: حتمية الشهادة للرب والخدمة بما يُقال لنا منهُ.
٤- المؤمن وعلاقته بالكلمة: حتمية حفظ الكلمة وطاعتها.
٥- المؤمن وحياته كمسيحي: حتمية الحياة بلا رياء، ومن الجانب الآخر حياة النمو الروحي.
٦- المؤمن وحياة الألم: وحتمية الألم لأجل اسم المسيح.
٧- وأخيرًا سنرى حتمية الوقوف أمام كرسي المسيح.
والآن لنمر عزيزي القارئ على هذه الحتميات بشيء من التفصيل.
أولًا: المؤمن وعلاقته بالرب
١- حتمية التسبيح: «لَكَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ يَا اَللهُ» (مزمور٦٥: ١). التسبيح هو أنشودة شعرية مدحًا وتمجيدًا لله. وترد في الكتاب المقدس مقترنة بالعبادة والسجود والتعبير عن تعظيم الله وشكرهُ، فنقرأ مثلًا «غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ» (إشعياء٤٢: ١٠، ١٢). ولأن التسبيح مرتبط بشخص الرب وصفاته التي لا تتغير، لذا يجب أن يكون التسبيح دائمًا «أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا» (مزمور١٠٤: ٣٣). وقد اعتبره المرنم مفتاحًا لأبواب ديار الرب «ادْخُلُوا أَبْوَابَهُ بِحَمْدٍ، دِيَارَهُ بِالتَّسْبِيحِ. احْمَدُوهُ، بَارِكُوا اسْمَهُ» (مزمور١٠٠: ٤). ويعرفهُ كاتب العبرانيين أنه ذبيحة «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ» (عبرانيين١٣: ١٥).
٢- حتمية الصلاة: «وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لوقا١٨: ١). الصلاة هي حديث موجّه لله فيه يطلب المُصلي ما يحتاجه، معبرًا عن الاعتماد الكامل عليه. وهي أول مظاهر الإيمان وتسليم الحياة للرب. مثال شاول الطرسوسي الذي كان بالأمس ينفث تهددًا وقتلًا، أما الآن فهو على ركبتيه آخذا مكانه الصحيح. هذا ما قاله الرب لحنانيا «لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي» (أعمال٩: ١١). ونصلي لأنها قطعة هامة ولها مكانها المميز كجزء من سلاح الله الكامل في حربنا الروحية «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ» (أفسس٦: ١٨). أيضًا يجب أن نصلي لننال الوعود الإلهية «وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ» (١يوحنا٥: ١٥). أخيرًا ينبغي ألا تكون صلواتنا محفوظة لأنه لا يوجد سبب منطقي لاستخدامها إذ أنها لا تتوافق مع عمل الروح القدس في الكنيسة والأفراد. فمكتوب «وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (رومية٨: ٢٦).
٣- حتمية السجود: «اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا٤: ٢٤).
السجود والعبادة: المشغولية بصفات وكمالات الله (بحسب إعلانه عن نفسه) تنتج فينا حالة من الاحترام والتقوى الحقيقية، تملأ كيان الساجد يُعبِّر عنها بتقديم الذبائح والتقدمات الروحية والتعبد لله، من أجل من هو في ذاته، ومن هو للساجد.
الفرق بين الصلاة والشكر والسجود: الصلاة: لغرض ما نتمناه، والشكر: لأجل ما نلناه، والسجود: فهو أسمى الامتيازات والواجبات للمؤمن، فلا سجود للطبيعة (تثنية٤: ١٤-١٩). ولا للناس (أعمال١٠: ٢٥). ولا للملائكة (رؤيا١٩: ١٠)؛ بل لله وحده.
أعظم اعلان عن السجود: يوحنا٤: سجود السامريين لما لا يعرفون – ديانة زائفة - (لا حق)، سجود اليهود لما يعرفون ولكن بالجسد (لا روح) وجاء الوقت لابطال سجودهم. وفي العهد الجديد بالروح والحق. ولا يحكمه مكان (في بيت أو مدرسة، أعمال٢: ٤٦؛ ١٩: ٩) بل حالة.
بالروح: أي بالطبيعة الجديدة التي أخذناها بالولادة من الروح. وبالروح الذي يأخذ مما للرب ويخبرنا فيثير فينا حاسيات السجود. بشرط ألا يكون حزينًا أو منطفئ فينا.
بالحق: أي بحسب إعلان الله عن نفسه في المسيح وفي الكتاب المقدس.
٤- حتمية تعظيم المسيح مع تواضعنا نحن: «يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ» (يوحنا٣: ٣٠). نلاحظ أن من يقول هذا هو المعمدان، الذي قال عنه الرب يسوع أنه أعظم المولودين من النساء. وأنه أعظم من نبي (متى١١: ٩-١١). ولكن أمام المسيح الأعظم يتوارى الكل ويسمو - له المجد - على الجميع في كل شيء. لقد كان هدف خدمة يوحنا – ويجب أن يكون الهدف من خدمة كل مؤمن – توجيه أنظار الجميع إلى المسيح، وأظن أن هذا لن يتم إلا عندما تكون محبتنا للرب يسوع، وتضحيتنا بالذات في أسمى الدرجات. إنه إقرار عظيم يجب أن يكون شعارًا لكل مؤمن وكل من يخدم المسيح. وينبغي ألا يكون في كلامنا "أنا"، ولا "المسيح وأنا" ولا "المسيح وموسى وإيليا". بل "المسيح وحده". كما قال الرسول بولس «فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية٢: ٢٠).
عزيزي القاريء: هل تمتعت ببركة الولادة من الله؟ وهل هذه الأمور الحتمية ظاهرة في حياتك وتمارسها لا كفرض بل هي طابع حياتك المسيحية؟ هل تعيش حياة التسبيح والصلاة والسجود والتواضع الذي يعظم شخص الرب يسوع فقط؟ أتمنى لك حياة الشركة مع الرب والتي تقودك للحتميات القادمة إن شاء الرب وعشنا.