تتركونني وحدي وأنا لست وحدي!

لما تلاقي نفسك متحاوط بعدم الفهم حتى من الدايرة الضيقة، من أقرب الأقربين.. لما تلاقي إنك طول الوقت بتعمل لخيرهم ومصلحتهم على كل الأصعدة وهما مش فاهمين.. وفي عز ألمك، مش حاسين.. تعال عيش يوم من أيام المسيح. تعال عيش معاه لما كان بجسده على الأرض واتفرج.. اتفرج وشوف الدايرة الضيقة اللي كانت محاوطاه: تلاميذه اللي هو اختارهم بنفسه!

هو، هو مفيش أحلى ولا أسمى ولا أذكى ولا أعظم منه..

يستاهل صُحبة حلوة تريَّحه وتفهمه وتقدّره وتستمتع بحلاوته... صح؟!

طبعا يستاهل.. بس هل ده اللي كان حاصل معاه فعلاً؟

وهنا مش بنتكلم عن الأشرار اللي كانوا طول الوقت عايزين بكلمة يمسكوه.. وبيسألوه ليجربوه.. وعايزين يموّتوه..

ولا حتى عن اخواته اللي لم يكونوا يؤمنوا بيه واللي قالوا، وقالوا فيه.. غير الكثيرين اللي رجعوا من وراءه ولم يعودوا يمشون معه.. غير اللي لم يأتمنهم على نفسه.

لأ سيبك من كل دول، وتعال قرّب وركز العدسة بس على الـ١٢ اللي المفروض إنه ائتمنهم على نفسه،

هتلاقي:

واحد منهم عنده ثقة رهيبة في نفسه، فدايمًا مندفع ومتهور..

واحد شكاك..

اتنين غضوبين وعايزين ينتقموا.. «قُل أن تنزل نار من السماء!»

يقولهم: تحرزوا من خمير الفريسين، يقولوا: ليس عندنا خبز!

أُم اتنين منهم كل همّها بس إن أولادها يبقوا في مناصب.

واحد بعد عِشرة عُمر.. لسة مش عارف هو مين.. يقوله: «أرنا الآب وكفانا!»

والتاني يقوله “إحنا لا نعرف انت رايح فين، ولا نعرف الطريق، ولا هنعرف نوصلك”.

ولحد آخر لحظات مش فاهمينه هو ليه مش عايز يظهر ذاته للعالم؟

واحد يقوله: منين نجيب خبز في برية! لا عندنا خبز ولا عندنا دنانير!

واحد يتسرع في دفع جزية عن البنين الأحرار!

يحكي للناس بأمثال.. وهما حتى المثل مش فاهمينه!

يتعجبوا انه بيتكلم مع امرأة!

مش فاهمين نوعية أكله.. ولا فاهمين انه ليه طعام آخر!

مش فاهمين في توقيتاته..

متسرعين في الحكم وأشداء في الإدانة.. «هذا أخطأ أم أبواه!»

كل همّهم: “اصرف الجموع”.. “اصرفها لأنها تصيح وراءنا”!

ينتهروا الاعمى ليسكت غير مبالين باحتياجه.

يبعدوا عنه الأطفال اللي أهلهم جايبينهم عشان يباركهم.

يمنعوا اللي بيخرج شياطين - حتى لو باسمه - لأنه ليس يتبعنا!

مفيش إيمان يشفوا ولد مصروع.

مفيش ثقة إنه طالما معاهم في المركبة، مش ممكن يهلكوا!

استخسروا فيه حتى قزازة الطيب اللي واحدة كسرتها عشانه، واستكتروها عليه!!

ماشي معاهم بيحكيلهم عن آلامه، بينما هما في حتة تاني خالص.. بيحسموا القضية اللي شاغلة قلوبهم وتفكيرهم: “مين فيهم يكون الأعظم”

يفهّمهم غرض تجسده.. كام مرة يقولهم انه هيُسلَم إلى الصلب؟..

واحد منهم ياخده على جنب وينتهره!!.. ويقوله: حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا!

ييجي يغسله رجله.. يقوله: لن تغسل رجلي أبدًا!

يقولهم: لعازر نام، يقولوا: كويس برضة خليه يخف.

يقولهم علانية: لعازر مات، يقولوا: نروح نموت معاه!

أقرب تلاتة ليه مقدروش يسهروا ساعة واحدة في الليلة الأخيرة ليه معاهم!

علي جبل المجد.. يناموا!

وفي بستان الألم.. برضه يناموا!

واحد منهم خانه وباعه بشوية فضة وسلّمه بقبلة!

واحد ليلة صلبه ترك إزاره وهرب عريانا..

واحد تاني أنكر معرفته بيه أساسا، وبدل المرة تلاتة!

الجميع تركوه وهربوا!

سبعة منهم رجعوا لمهنتهم الأولى!

حتى بعد قيامته.. مش مصدقين الخبر، مع أنه كام مرة كلمهم في الموضوع ده بالذات!

من جهتهم، تلخص حياتهم الآية: «أما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلمهم به» (يوحنا١٠: ٦).

لكن بص على رد فعله في كل موقف من دول على حدة، تلاقيه باله طوييييل، وبيتعامل مع كل واحد بشكل شخصي..

هتلاقيه طول الوقت بيتعامل مع بُطء إيمانهم وغلاظة قلوبهم..

لا زهق منهم ولا رمى طوبتهم.. حملهم واحتملهم..

صلى عشانهم واتشفع لأجلهم، وفي النهاية وصل بيهم، ووصلّهم لأعلى القمم.

وجه الوقت اللي فيه: «فتح ذهنهم ليفهموا الكتب» (لوقا٢٤: ٤٥).

لكن من جهته هو بقى، وهو ده غرض الكلام:

بالرغم من الوحدة اللي عاشها بسبب عدم فهمهم لشخصه ولكلامه، لكنه طول الوقت كان بيتمتع بمعية وصحبة الآب.. حتى في أحلك ساعة، لما بالفعل تركه الجميع وهربوا: «هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ ٱلْآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لِأَنَّ ٱلْآبَ مَعِي» (يوحنا١٦: ٣٢).

وخلينا نلاحظ إن معية الآب ليه أسبق من ترك تلاميذه ليه، يعني مش بيقولهم لما تتركوني، الآب هيكون معايا.. لأ طبعا، لكنه بيقول إنه في كل الأحوال بيتمتع بمعية وصحبة الآب.. عشان كدة حتى لما تتركوني، أنا مش وحدي!

وهو ده الدرس.. الدرس إنه تكون العلاقة والشركة مع الرب أسبق من أي موقف ممكن يحصل من الناس، وأعمق من أي جرح ممكن يتسبب فيه الآخرين عن جهل أو حتى بقصد..

ساعتها - والتشبيه ده سمعته من سنين ومش ممكن انساه - ساعتها هتعدي علينا المواقف دي وكأنها أحجار صغيرة بتترمي على صفحة المية، هتتسبب فيها بعض التموجات، آه، لكنها تموجات على سطح المية بس.. أما العمق فسيبقى ساكنًا تماما!

يا سيدي الغالي، يا كل آمالي، 
يا ساكنا عمقي، سلامي فيك يكثر

تعلو الحياة بي، أو ربما تهوي، 
لكنك في قلبي لا.. لا تتأثر

في قلبي كما أنت.. ستبقى شامخا بقلبي.. 
حبي سندي