إن تفكير الأطفال عمومًا لا يرتقي لتفكير البالغين الناضجين. بالطبع لا يعيب الإنسان أن يكون طفلاً فهي مرحلة تبدأ بها حياة كل إنسان، لكن الوضع الصحي أن ينمو إلى أن يصل لتمام النضوج الذي فيه يفهم الحياة بصورة أفضل ويتحمل المسؤولية بصورة أكبر ويقوم بدوره الذي يجعله نافعًا لمن حوله.
لكن الحديث هنا ليس عن الأطفال جسديًا، بل الأطفال روحيًا. لذلك سنناقش في هذا المقال ما أسميته “أكاذيب”. إنها ليست بدعًا أو ضلالات، ولكن مفاهيم غير صحيحة بسبب عدم فهم التعليم المسيحي بشكل دقيق، والتي قد ترد لذهن أي مؤمن وهو في بداية رحلة إيمانه في طريقه للنمو والنضوج الكامل. سنناقش في هذا المقال مجموعة من هذه المفاهيم الخاطئة وبنعمة الرب سنستكملها في عدد لاحق.
١. لا أمتلك موهبة الكرازة لذلك لا أبشر أحدًا.
مشاركة الأخبار السارة عن خلاص المسيح، من خلال علاقاتنا، سواء كان شفويًا أو من خلال نبذة تبشيرية أو أي وسيلة روحية، لا يحتاج لموهبة لكنه يحتاج لقلب يحب النفوس، وشجاعة روحية في توصيل أعظم خبر حتى لو كان بأبسط الصور.
٢. القداسة معناها الحرمان من مسرات الدنيا.
الحقيقة هي نقيض ذلك. المؤمن الأمين السالك بالقداسة يختبر فرحًا حقيقيًا لا يعرفه العالم. لكن الاستمرار في الخطية يحزن الروح القدس داخلهُ وبالتالي تنطفئ أفراحه. القداسة ليست معناها الحرمان من شيء لكن معناها أن يصون المؤمن نفسه للرب الذي اشتراه.
٣. ازدياد التكريس لا بد أن يلازمه نموًا في مجالات الخدمة.
ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك. فالتكريس هو تقديم الحياة للرب ليستخدمها كما يشاء؛ سواء في الصحة أو المرض، في اشتهار أو استتار، من خلال خدمات شفوية أو عملية. العبرة بطاعة الرب وإعطاء الرب الأولوية في الحياة، وليست بكمِّ إنجازات يحققها.
٤. الطلاقة واللباقة في الكلام تؤهِّل لخدمة الكلمة.
خدمة الوعظ أو التعليم ليست مجرد فن إتقان الكلام وتوصيل التعليم المسيحي بأسلوب جذاب ومفهوم، لأن هذه وزنات طبيعية ليست كافية في حد ذاتها في تقديم كلمة الله، التي تستلزم عمل الروح القدس وحياة في خوف الرب. من لا يمتلك سوى معلومات لا يأخذ الناس منه إلا معلومات، والذي يستخدم أساليب تؤثر على المشاعر أو تبهر الجماهير سيترك انطباعات وقتية. أما الذي يستخدمه الرب، مهما كان أداؤه، فإنه يتكلم كأقوال الله ويخدم كما من قوة يمنحها الله.
٥. الخدمة المنبرية تحتاج تقوى أكثر من غيرها.
عمل الله - بصفة عامة - لا بد أن يُنجز من خلال أواني للكرامة مقدسة نافعة لخدمة السيد. سواء كانت خدمة وعظ أو تدبير أو أعوان. سواء كانت خدمة في الخفاء أو العلن، للصغار أو الكبار. وإلا تحولت الخدمة إلى نشاط عقيم بلا ثمر ولا تأثير.
٦. لا أمتلك موهبة الصلاة التي لدى فلان.
“موهبة الصلاة!” هذا ليس تعبيرًا دقيقًا أو مستساغ للأذان. غالبًا يقصد به مجرد التلاوة الفصيحة لحقائق وتعبيرات كتابية معروفة ومخزونة، تذخر بها الذاكرة وتخرج من الأفواه بقوة وبلاغة وبطلاقة ملحوظة. لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن تشبه عملية التنفس بالنسبة للكائن الحي. أصغر طفل في عائلة الله يمكنه أن يصلي وينتظر وينال الجواب ويعود بالشكر للرب. مؤمن بدون صلاة مثل غصن جاف بدون عصارة والحياة التي تفتقر للصلاة حياة هزيلة وتفتقر للقوة.
٧. الخطايا الخفية أقل ضررًا من الظاهرة.
الخطية المرتكبة هي دائمًا ظاهرة أمام عيني الله. قد يكون أثر الخطية الظاهرة أمام الناس أثرًا كبيرًا بسبب عواقبها المتنوعة لكن هذا لا يعني أن الخطايا السرية أقل ضررًا لأن الناس لا تراها. ما أرهب الخطايا التي يمكن أن تدمر صحة الإنسان جسديًا ونفسيًا وروحيًا دون أن يراها أو يشعر بها إلا مرتكبها.
٨. المحبة للجميع معناها أن يكون المؤمن مراضيًا للكل.
المحبة المسيحية ليست محبة عمياء لكنها محبة فاهمة. المحبة تستر كثرة من الخطايا لكنها لا تعني التغاضي عن خطر يمكن أن يجلب ضررًا على الشخص الذي نحبه، لكن المحبة كما تبتسم وتشجع وتعطي، كذلك تنصح وتوبخ وتنذر إن لزم الأمر. «أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ» (أمثال٢٧: ٦).
٩. الأكثر شهرة؛ يقينًا سيكون تأثيره أقوى من غيره.
التأثير في حياة المؤمن لا يتوقف على حجم أو نوع موهبته ولا على شهرته أو شعبيته لكن يتوقف على مدى إظهار المسيح فيه. كلما كان المؤمن أمينًا للرب وثابتًا فيه سيكون مثمرًا. وأجود ثمر يمكن أن ينتجه المؤمن هو صفات المسيح السامية. أعظم تأثير يمكن أن يتركه المؤمن هو أن تفوح رائحة المسيح في أخلاقه وأفعاله وأقواله.
١٠. الرب يحبني أكثر كلما كانت أخطائي أقل.
محبة الرب ثابتة، لكن المؤمن التقي هو الذي يتذوق حلاوة هذه المحبة من خلال الشركة القريبة من الرب طالما لا يوجد ما يعكر صفوها ويعطلها. الرب يحبنا لكن لا يحب أفعالنا الخاطئة. عندما نستمر في فعل ما لا يرضيه سنحرم أنفسنا من التمتع بمحبته المتدفقة.
١١. توالي المصاعب والمتاعب هي حرب شيطانية.
ليست كل الآلام والصعاب والأحزان مصدرها الشيطان. العالم عمومًا يمتلئ بالشقاء منذ أن سقط الإنسان. ويقول الكتاب أن مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا. لكن قد يثير الشيطان نوع من المتاعب بغرض مقاومة أو تعطيل شهادة المؤمن لكن ليست كل الآلام ورائها الشيطان. قد يسمح الرب لمؤمن بضيقة ليتمم الرب بواسطتها مقاصد مباركة.
١٢. المؤمن الذي يلازم الفراش لسنوات بسبب المرض حُرم من الخدمة.
قد يسمح الرب لمؤمن أن يبقى في فراش المرض لسنوات طويلة، هل تكريس هذا المؤمن أقل من الذي يجوب البلاد ويخدم هنا وهناك؟ كلا، بل يكون تكريسه للرب بنسبة مئة في المئة طالما هو في مشيئة الرب ويكرم الرب من خلال التجربة وهذا يكون له أثره العميق الذي لا يقل عن الوعظ والكتابة والعطاء… الخ.
ولحديثنا بقية إن تأنى الرب.