هل لأننا لسنا تحت الناموس، يحق لنا أن نكسر الناموس؟!
يتَحير البعض بين ما قالهُ الرسول بولس «لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ» (رومية٦: ١٤)، وبين ما قالهُ الرب يسوع في عظة الجبل عن الناموس «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ» (متى٥: ١٧). فما هو موقفنا من الناموس، وما هي أخلاقيات وسلوكيات المسيحي، وبأي قانون يعيش؟!
أولاً: ما هو الناموس... وماذا يطلب؟
١. الناموس هو ذلك القانون الإلهي في العهد القديم الذي أعطاه الله لموسى في جبل سيناء. ويَتضمن مجموعة من الوصايا والفرائض والطقوس والذبائح، التي من خلالها يَتعلَّم الإنسان كيفية الاقتراب من الله، وأيضًا كيفية التعامل مع من حوله. أحيانًا يقصد بالناموس الذبائح والطقوس (الناموس الطقسي) وأحيانًا يقصد به التعاليم والوصايا (الناموس الأخلاقي).
٢. كان الناموس يطلب من الإنسان أن يعمل كل متطلباته لكي يحيا «اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا»، «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ» (يعقوب٢: ١٠)، ولم يستطع الإنسان أن يعمل أي من هذه الوصايا، وبالتالي وضع نفسه تحت حكم اللعنة.
٣. لقد كان الهدف الأهم لأعطاء الله الناموس للإنسان هو أثبات فشل الإنسان من ناحيةً، والإشارة لمجيء المسيح المخلِّص من جهةً أخرى.
ثانيًا: ما هو موقف المسيح من الناموس؟
١. احترم الرب يسوع الشريعة وكَرمها، فلقد تم فيه المكتوب: «وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي» (مزمور٤٠: ٨).
٢. حدَّد الرب يسوع موقفهُ من الناموس عندما أعلن «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ» (متى٥: ١٧). وكلمة «أُكَمِّلَ» معناها أُتمم fulfill""، فلقد تًمَّم المسيح كل نبوة عنه، في حياته أو موته، فمثلًا في يوحنا١٩: ٢٨ نقرأ هذا القول «بَعْدَ هَذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: أَنَا عَطْشَانُ». ويوجد تقريبًا ٣٣٣ نبوة تممها المسيح في مجيئه متجسدًا.
ثالثًا: ما هو موقف المسيحي من الناموس؟
١. المسيحي لم يعد تحت لعنة الناموس والسبب هو عمل المسيح الكفاري «اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا» (غلاطية٣: ١٣). بل وليس محتاجًا لذبائح الناموس للتكفير عن خطاياه بسبب كفاية ذبيحة المسيح الكفارية.
٢. وبموت المسيح حَدث أمر آخر للمؤمنين بالمسيح، لقد أنقطعت علاقة المؤمن بناموس الفرائض والذبائح واللعنات والسبب موت المؤمن شرعًا مع المسيح!! «لأَنِّي مُتُّ بِالنَّامُوسِ لِلنَّامُوسِ لأَحْيَا لِلَّهِ» (غلاطية٢: ١٩). والنتيجة أننا الآن لسنا تحت الناموس الطقسي وسلطانه، بل تحت النعمة.
٣. لكن المسيحي لا يتخلى أبدًا عن مبادئ الناموس الأدبية – التي هي: لا تسرقْ، لا تشتهِ، لا تزنِ، لا تقتل - وهذا ليس قهرًا وفرضًا. فالمؤمن الحقيقي بالمسيح لا يعمل فقط ما يطلبهُ الناموس بل أكثر من ذلك؛ فمثلاً هو لا يقتل بل يحب من قلب طاهر وبشدة، وهو لا يزني بل يعيش حياة النقاوة والقداسة وهكذا.
٤. السر والقوة التي تجعل المسيحي يعيش الحياة التقوية والمبادئ الأدبية الراقية ودون خوف أو رعب، هو سُكنى المسيح بالروح القدس في القلب «فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية٢: ٢٠).
٥. فالمسيحي لا يمكن أن يعيش بلا قانون أو ضوابط، بحجة أنه تحت النعمة في العهد الجديد. بل هو يسلك حسب قانون أدبي راقٍ أسماه يعقوب «نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ» (يعقوب٢: ١٢)، الذي هو قانون وأسلوب الطبيعة الجديدة في الحرية.
نعم كمؤمني العهد الجديد لسنا تحت ناموس الطقس والفرائض، لكننا بالروح القدس الذي فينا نسلك في الحياة الجديدة لأن المسيح نفسه يحيا فينا. والدافع لهذه الحياة الأدبية السامية ليس طمعًا في أجرةٍ ولا خوف من نارٍ، بل هو رغبة قلبية وقوة إلهية ولذة حقيقية لإكرام الله أبونا بربنا يسوع المسيح من جهة. ومن جهة أخرى الطبيعة الجديدة لا تتحمل الخطية والفساد الذي في العالم بالشهوة.
فهل نحن نسلك حسب هذا القانون عينه؟