حَسب توقُّع الأطباء، وبناءً على التقارير والتحاليل، لم يتبقَ من عمرها سوى شهر من الزمان. ففكَّرت أن تستعد جيدًا ليوم جنازتها، وأرادت أن ترتب البرنامج الخاص بحفل وداعها؛ فاتصلت بأحد الخدام المُقرَّبين منها، والذين يشاركونها خدمتها، وأخبرته بقصتها قائلةً:
إن الرب المُحب وَالحَكيم سَمح لي بسرطان خبيث شرس، وقد انتشر في أحشائي. وحسب التقديرات العلمية والمعملية لم يتبقَ لي في الحياة سوى ٣٠ يومًا تقريبًا، لذلك أود أن ترتب معي كيفية الاستعداد لحفل دفني. ولأن السيدة معروفة للجميع بتقواها الحقيقية وخدمتها وحياتها الناصعة أمام الجميع، تأثر الخادم وتأسف لسماعه هذه الأخبار، لكنه أنصت لها بكل اهتمام ووافق على كل ما اقترحته. قالت:
أولاً: أُريد أن تكون الترنيمة الأولى أثناء موكب الدخول هي ترنيمة “أراك بالأيمان” والتي تُختم بالعدد القائل:
إذ تنتهي الأيام كالحُلم في المنام، وأصعدُ
أشاهد المسيح، بجنبه الجريح، هناك أستريح، وأسعدُ.
ثانيًا: أرجو أن تقرأ المزمور الذي أحبهُ، وهو مزمور ٢٣، وخاصةً الآية الرابعة: «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي».
وإن أمكن أن تكون من الترانيم الختامية الوداعية الترنيمة التي نقول فيها:
نلتقي في العُلى بعد ما
|
| ينتهي سيرنا من هنا
|
حيث حزن الرَدى ينتهي
|
| كذا يُنسى الشقا والعنا
|
ثالثًا: لقد طلبت من الحانوتي أن يعد لي صندوقًا من الزجاج الشفاف، حتى أكون مُتاحة للجميع لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة. كما طلبت من الخياطة أن تعد لي فستانًا أبيض كثوب الزفاف - ولما لا - فأنا أستعد للقاء المسيح أعظم وأجمل عريس.
رابعًا: أوصيت السيدة التي تصفف شعري، بالاهتمام بشكلي حتى لا ينزعج أحد ممن يُلقي عليَّ نظرة الوداع.
وأخيرًا طلبت من الخادم أن يوصي بأن يضعوا في يدها “شوكة أكل”.
كان الخادم يهز رأسهُ بالموافقة على كل ما طلبت ورتبت، إلا أنه انفعل هنا لما سمع عن الشوكة التي تريد أن يضعها في يدها وهي في التابوت الزجاجي، لكنها أوضحت له وجهة نظرها.
مرت الأيام بسرعة البرق، كعادتها، واشتد المرض على السيدة وفارقت الحياة، تقريبًا في الموعد المحدد. وعُملت لها كل الترتيبات التي طلبتها، وكان وداعها مهيبًا عظيمًا، فالسيدة خادمة أمينة للمسيح ليست خدمتها فوق المنبر بل خدمت تحته، خدمة بعيدة عن الصخب والجلبة والأضواء، هي خدمة محبة وافتقاد، خدمة تضحية وعطاء. وبعد أن انتهت كل المراسم، قال الخادم لجموع المشيعين:
لعلكم تريدون أن تعرفوا سر الشوكة التي في يد أختنا الراحلة؟
فأومأ الجميع بشغف وشوق لمعرفة السر، فقال خادم الرب:
لما طلبت مني هذا الأمر اندهشت وتساءلت مثلكم تمامًا، لكن وضحت لي بالقول: “في المؤتمر الأخير الذي حضرته مع عائلات الكنيسة، وبعد تناول الغذاء في مطعم الفندق، كان النادل ينظف الطاولات ويوزع على كل واحد شوكة نظيفة. وكان يقول لنا: احتفظوا بها معكم وانتظروا الحلو من فاكهة وحلويات أو كما يسمونه بالإنجليزية Dessert”.
ثم علَّقت قائلة لي: “أريد أن أقول للجميع: عندما ترونني وأنا ممسكة بالشوكة؛ فاعلموا أني الآن أستمتع بالأفضل والأحلى، لقد دخلت الوطن السعيد حيث الراحة الوفيرة والسلامة الكثيرة”.
ثم قال الخادم لجمهور المودعين:
أصدقائي: إن الحلو للمؤمنين لم يأتِ بعد، لكن سيأتي حتمًا. لذا دعونا نحتمل الحياة بحلوها ومُرها، بتعبها ومنغصاتها، بمرضها ومفاجآتها. فالراحة الكاملة آتية، والسعادة الغامرة آتية، والمجد آتٍ لا ريب.
صديقي وصديقتي
أعتذر إن كنت قد ضايقتك أو أزعجتك بقصتي هذه.
لكن، بكل الحب أهمس في أذنيك وأقرع على قلبك بهذه الكلمات:
* صحيح أن: «لأَنَّ الإِنْسَانَ أَيْضًا لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ» (جامعة٩: ١٢)، لكن مكتوب أيضًا: «اَلشِّرِّيرُ يُطْرَدُ بِشَرِّهِ، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَوَاثِقٌ عِنْدَ مَوْتِهِ» (أمثال١٤: ٣٢).
* أعرف أنك غالبًا تعمدت باسم الآب والابن والروح القدس، وأعرف أنك على الكنيسة واظبت، والعشور قد تكون دفعت، وأعرف أيضًا أنك قد تكون صُمت وصَليت.
هذا كله حسن.
لكن: هل تَغيَّرت؟ هل قَلبك نقي ومُستَقيم؟ هل ضميرك مستريح من جهة الأبدية؟ هل تحب أخوتك؟ هل تنتظر مجيء المسيح الثاني؟
اسمح لي أن أسألك: هل أنت واثق عند موتك؟ هل لك اشتهاء أن تنطلق وتكون مع المسيح؟
يقول الكتاب: «جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ» (٢كورنثوس١٣: ٥)، ليتنا نكون صادقين وجادين ونحن نمتحنها، قبل فوات الآوان. مع تمنياتي بموفور الصحة والعافية، ولك محبتي.