في العدد السابق تناولنا بعض المفاهيم الخاطئة التي تُعبِّر عن عدم فهم التعليم المسيحي كما ينبغي، وبالتالي يتعثر صاحبها في حياته ويتعطل نموه الروحي. في هذا المقال سأتناول مجموعة أخرى، راجيًا من الرب أن يعطنا فهمًا في كل شيء لنرى الأمور في ضوء كلمة الله ونزن كل شيء بموازين الله الدقيقة. كلما كان لنا فهم البالغين روحيًا كلما استنارت أذهاننا واستقامت حياتنا وصار سعينا في حياة الإيمان سعيًا صحيحًا ومثمرًا.
١٣- الرب راضٍ عني لذلك يفتح أمامي أبواب النجاح
النجاح في الحياة ليس دليلاً على الوجود في مشيئة الرب. بل قد يكون - في حد ذاته - فخًّا للمؤمن إن امتلك قلبه وصار هو هدف الحياة، وبالتالي سيكرس له وقته وطاقته بالكامل. المُجتهد يحصد ما زرعه من اجتهاد، لكن رضا الرب مرتبط بطاعة الرب والخضوع لصوته وإتمام مشيئته، التي يختبرها المؤمن الذي له شركة حقيقية يومية مع الرب وقد أعطى الرب مكانه وحقه في السيادة على الحياة.
١٤- المتفرغ للخدمة، فرصته للتكريس أكبر من غيره
التكريس لا علاقة له بالتفرغ للخدمة، لكن بطاعة الرب وإكرامه في كل مجالات الحياة. قد يكون تكريس سيدة منزل أكثر من خادم متفرغ. كل المؤمنين مدعوين أن يكرسوا حياتهم للرب، ولكن ليس الكل مدعوًا لترك عمله لكي يخدم الرب.
١٥- خدمة الرب أهم وأولى من أسرتي
هذا غير صحيح. عندما نحب الرب أكثر من ذوينا ليس معناه أن نقصِّر في واجبنا نحوهم بعِلّة المشغولية في الخدمة. لن يتمجد الرب في خدمة شخص على حساب آلام وحرمان أسرته. توجد مواقف تستلزم أن يفرغ الخادم نفسه من أي خدمة ويكرس هذا الوقت لأسرته التي ائتمنه الرب عليها. صحيح أن الرب يتكفل في أمانته بأسرة من يخدمه، لكنه لا يعفي هذا المؤمن من مسؤولياته العائلية التي تتصدر قائمة مسؤولياته.
١٦- الناس عندما تمتدحني معناه، الله يريد أن يشجعني
يوجد فرق بين كلمات التشجيع الصادقة وكلمات المجاملة أو المداهنة؛ فالأولى يمكن أن تكون بمثابة ابتسامة من الرب في وجه المؤمن الأمين، خاصة إذا كانت متعلقة بأمر يتوافق مع مشيئة الرب وتحصِّل مجدًا لاسم الرب. ليست كل الكلمات الجميلة صادقة، فربما يمتدح الواحد صاحبه لأجل مصلحة عنده أو لكسب ودّه.
١٧- المؤمن يعيش كغريب ونزيل: أي لا يكون في منصب عالمي كبير
صحيح أن الذين دعاهم الرب بنعمته معظمهم من فقراء العالم، وليس كثيرون منهم من الشرفاء أي (ملوك وأمراء ورؤساء) لكنهم قليلون؛ فالإيمان لا يتعارض مع الغنى أو المركز الاجتماعي الكبير. عيشة المؤمن كالغريب معناها أنه مهما كان مركزه وغناه (مثل إبراهيم أبو المؤمنين) لكنه يهتم بما فوق وما هو أبدي ولا ينجذب قلبه إلى كل ما هو مؤقت على الأرض. قال الرسول بطرس في رسالته الأولى «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كَغُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ، أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الشَّهَوَاتِ الْجَسَدِيَّةِ الَّتِي تُحَارِبُ النَّفْسَ» (١بطرس٢: ١١)، لم يقل أن نمتنع عن امتلاك البيوت أو الحصول على شهادات دراسية عليا أو مراكز مرموقة في العالم، لكن لا تكون هذه الأمور أهدافًا في حد ذاتها تكرس لأجلها الحياة (كما يشتهي الإنسان الطبيعي)، أي لا تأخذ قلبه وتستهلك عمره على حساب دعوته السماوية وتكريسه للرب.
١٨- قوة الايمان تجعلك تتماسك ولا تبكي حتى في فراق الاحباء
نسمع أحيانًا هذه العبارة عند فراق الأحباء “شد حيلك ولا تبكي... أنت مؤمن”. وهل قوة الإيمان تجعل قلوبنا جامدة بلا مشاعر! الحقيقة هي عكس ذلك، كلما كان المؤمن تقيًا كلما كانت مشاعره حساسة وعواطفه رقيقة ودموعه قريبة. أجزاء كثيرة في الكتاب ترينا ذلك. مثلاً عندما ماتت سارة بكى إبراهيم زوجته رغم إيمانه العظيم وذلك بسبب محبته العظيمة. كانت عواطف ربنا رقيقة للدرجة التي جعلته يزرف دموع الحب والحنان كثيرًا في حياته. لكن لنلاحظ أننا نبكي بسبب فراق أحبائنا وعيوننا للسماء التي منها ننتظر مخلصنا الذي سيأتي إلينا سريعًا كما وعدنا، نبكي وقلوبنا موجوعة لكنها مفتوحة لتستقبل تعزيات إلهنا الرحيم ولا نحزن كالذين لا رجاء لهم.
١٩- الخادم المكرس الأعزب أكثر طهارة وتكريسًا من المؤمنين المتزوجين
إذا دعا الرب مؤمنًا كي يعيش للرب دون أن يتزوج، فهذا ليس معناها أنه أكثر تكريسًا وطهارة من المؤمنين المتزوجين. فالتكريس الكامل لا يتوقف على الحالة الاجتماعية أو كَمّ الالتزامات العائلية في حياته، بل بمدى طاعته للرب. صحيح أن التكريس معناه أن نسلِّم للرب، ومن أجل الرب، كل شيء؛ لكن من زاوية أخرى أن نطيع الرب لنختبر مشيئته في كل أمر. يمكن أن يمتنع الواحد عن الزواج لكنه لا يكرم الرب كل وقته أو بكل ما عنده، وفي هذه الحالة سيكون تكريسه ضعيفًا. كما أن الزواج لا يقلل من طهارة المؤمن المتزوج كما يقول الكتاب «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ» (عبرانيين١٣: ٤). والقداسة العملية تعني أن نصون للرب كل ما يخص الرب وأن يُخصَّص الكل لمجد الرب.
٢٠- الشيطان لا يحارب المؤمن الضعيف
صحيح أن الشيطان يستهدف المؤمن النشط لكي يطفئ شهادته ويعطل عمل الله؛ لأنه عدو كل بر، لكن هذا لا يعني أنه لا يفعل شيئًا مع المؤمن الخامل. إن سبب عقمه الروحي هو أنه مغلوب من الشيطان الذي لا يكف عن أن يربكه بأمور وقتية رخيصة لكي تظل حياته بلا ثمر يمجد الله.
أعزائي الشباب: لننمو في النعمة ومعرفة الرب من خلال الشركة اليومية مع الرب ودراسة كلمة الله التي تعقّل وتنير لكي يكون لنا الذهن المجدد والواعي المستنير، فنسلك كما يحق للرب، غير عاثرين في المسير.