أحيانًا يصلك أن “فلان” سبَّك أو “شتمك” بالعامية المصرية، لغة المثل الشهير، موضوعنا. والمثل يعتبر من أوصل لك هذا السباب كما لو كان هو من سبَّك؛ فمن الممكن أن يكون كاذبًا، أو الأرجح نمَّامًا واشيًا ينقل الكلام و“يمسك في السيرة”. وفي الحالتين هو من أساء إليك أكثر. ولنسمع ما تقوله كلمة الله.
يقول الحكيم «مِثْلُ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَرْمِي نَارًا وَسِهَامًا وَمَوْتًا، هكَذَا الرَّجُلُ الْخَادِعُ قَرِيبَهُ وَيَقُولُ: “أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا! (هذا مزاح)”. بِعَدَمِ الْحَطَبِ تَنْطَفِئُ النَّارُ، وَحَيْثُ لاَ نَمَّامَ يَهْدَأُ الْخِصَامُ. فَحْمٌ لِلْجَمْرِ وَحَطَبٌ لِلنَّارِ، هكَذَا الرَّجُلُ الْمُخَاصِمُ لِتَهْيِيجِ النِّزَاعِ» (أمثال٢٦: ١٨-٢١)، أليس هذا عين الحقيقة؟! الكثيرون يعتبرون النميمة “تسالي” لكنهم بها يزرعون الخصومات ويلهبونها فتتحول إلى معارك تفسد حياتنا. والحكيم هنا يفضح القلوب التي يخرج منها ذلك.
والنميمة دفينة في قلب الإنسان الطبيعي، فإذ يستعرض بولس شرور الذين «لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ» يقول عنهم «مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا، “نَمَّامِينَ” مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ ِللهِ...» (رومية١: ٢٨-٣٠)، ولنلاحظ الصفات المرتبطة معًا. لكن المفاجأة المؤلمة أنها موجودة عند المؤمنين الجسديين، اسمعه يقول «لأَنِّي أَخَافُ إِذَا جِئْتُ أَنْ لاَ أَجِدَكُمْ كَمَا أُرِيدُ... أَنْ تُوجَدَ خُصُومَاتٌ وَمُحَاسَدَاتٌ وَسَخَطَاتٌ وَتَحَزُّبَاتٌ وَمَذَمَّاتٌ وَنَمِيمَاتٌ وَتَكَبُّرَاتٌ وَتَشْوِيشَاتٌ» (٢كورنثوس١٢: ٢٠).
لذا يحرضنا الكتاب على الآتي:
١. لا تكن نمّامًا
فالأمر لشعب الرب من البداية في الناموس «لاَ تَسْعَ فِي الْوِشَايَةِ بَيْنَ شَعْبِكَ. لاَ تَقِفْ عَلَى دَمِ قَرِيبِكَ (لا تسبب في ضرره). أَنَا الرَّبُّ. (ويستدرك موضِّحًا أصل الداء في القلب) لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ... لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، (والطريقة لذلك) بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. (وممن يصدر الأمر؟) أَنَا الرَّبُّ» (لاويين١٩: ١٦-١٨).
٢. لا تقبل سماع النميمة
لنحذر فإن «كَلاَمُ النَّمَّامِ مِثْلُ لُقَمٍ حُلْوَةٍ (قد نستحلاها، لكن النتيجة أنه) فَيَنْزِلُ إِلَى مَخَادِعِ الْبَطْنِ (ويفعل فعله الرهيب في دواخلنا)» (أمثال٢٦: ٢٢). لذلك ينصحنا الحكيم «الْوَجْهُ الْمُعْبِسُ يَطْرُدُ لِسَانًا ثَالِبًا» (أمثال٢٥: ٢٣). “كَشِّر” في وجه من ينقل لك الكلام ولا تقبل أن تسمع له.
ولنسمع هذه الكلمات في الختام: «يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟ (ما سمات الذي يتمتع بالعلاقة معك)... الْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ. الَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ (لا يسبب له عارًا أو ينسبه إليه). وَالرَّذِيلُ مُحْتَقَرٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَيُكْرِمُ خَائِفِي الرَّبِّ» (مزمور١٥: ١-٤). فليتنا نكون كذلك!