رأينا في العدد السابق أن الإنسان البعيد عن الله يحتاج إلى وسيط يصالحه مع الله، وأن الرب يوع المسيح هو الوسيط الوحيد الذي أتم مشروع فداء الإنسان. «لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح» (١تيموثاوس٢: ٥). وأن الله في المسيح قد صالحنا لنفسه (٢كورنثوس٥: ١٨). وهذا على أساس دم المسيح. وفي هذا العدد سنتكلم عن:
الشفيع
الفرق
غالبًا ما يخلط البعض بين الوساطة والشفاعة. لكن نتعلم من الكتاب المقدس أنه هناك فرق بينهما (إقرأ ١تيموثاوس٢: ٥؛ ١يوحنا٢:٢). فالوساطة بين الله (العادل البار) والناس (المذنبين والمستحقين للدينونة). أما الشفاعة - كما سنرى - فهي بين الآب والمؤمنين، البنين. أيضًا الوساطة هي مرة واحدة للإنسان. أما الشفاعة فهي حالة مستمرة للمؤمن حتى وصوله للسماء.
ولننتبه لحقيقة هامة وهي أنه لا يوجد في الكتاب المقدس وعد من الله بقبول وساطة أو شفاعة لأحد غير الرب يسوع المسيح. وسنرى بعض من الأسباب في هذا المقال.
«يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ
. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا» (١يوحنا٢: ١، ٢). «فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين٧: ٢٥). «مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا» (رومية٨: ٣٤).
ثلاث آيات في العهد الجديد هي التي تتكلم عن الشفاعة. ونلاحظ أنها تشير لشخص الرب يسوع فقط.
١- الشفاعة لمن: «يا أولادي» الذين وُلدوا بالفعل من الله، وصاروا أولاد الله نتيجة لمصالحتهم بوساطة المسيح. فأصبح المؤمن في نسبة جديدة مع الله وهي نسبة الابن لأبيه. فالطلبة «لا تخطئوا» لا تُقدَّم للخاطي بل للمؤمن.
٢- عمل الشفيع: حفظ المؤمن وضمان قبوله أمام الله على أساس كفارة المسيح، وأيضًا مساعدة المؤمن لاسترداد شركته مع الآب والتي فقدها بسبب سقوطه في الخطية، والتمتع بالغفران الأبوي، وذلك بالاعتراف بالخطية والتوبة عنها.
٣- توقيت الشفاعة: يعتقد البعض أنه عند سقوط المؤمن في الخطية واعترافه بها يشفع فيه المسيح لأجل قبوله وغفران خطيته. لكن الكتاب المقدس يخبرنا أن الشفاعة ليست توسلات لله من المسيح من وقت لآخر، بل وجوده - له المجد - في كمال عمله وكفارته التي أكملها على الصليب، كفيل بحفظ المؤمنين في مركز القبول الدائم أمام الله.
٤- لماذا يحتاجها المؤمن: لكل مؤمن حقيقي طبيعة جديدة صار بها عضوًا في جسد المسيح، وهو الآن حي ومقام وجالس في السماء في المسيح كمقام. ولكن لأن المؤمن موجود بالجسد في العالم وبه الطبيعة القديمة فهو معرض لأن يسقط في الخطية.
أهلية وتفرد الرب يسوع وحده بالشفاعة
من الآيات المذكورة أعلاه نخرج ببعض الصفات والأعمال التي لا نجدها في أحد غير المسيح وهي:
أ. «هو كفارة»: كلمة كفارة تعني من جهة الله ترضية ومن جهة الإنسان تغطية. ومن كان أهلاً ليقوم بهذا العمل الذي أرضى الله وغطى وستر عري الإنسان. أكتفي هنا بالاشارة لكلمة لاق ويليق (يتوافق ويتناسب) والتي وردت مرتان عن الرب يسوع في رسالة العبرانيين «لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ. لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ» (عبرانيين٢: ١٠؛ ٧: ٢٦).
ب. «حي في كل حين»: وحده الذي له حياة في ذاته، وكابن الإنسان المُقام من الأموات، هو الآن حي لأجلنا، وهو الذي قال ليوحنا في جزيرة بطمس «أنا... الحي. وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين» (رؤيا١: ١٨).
ج. «هو الذي مات»: وقد يقول قائل إن القديسين والأنبياء ماتوا، ولكن يأتي السؤال لماذا مات المسيح؟ والكتاب المقدس يخبرنا أن موت المسيح كان لأجلنا «الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا» (رومية٤: ٢٥).
د. «بل بالحري قام»: كل القديسين والأنبياء ماتوا وما زالوا في القبور حتى وقت قيامة الراقدين. لكن الرب يسوع قام بعد إكمال العمل وفي قيامته إعلان تبريرنا أمام الله.
هـ. «الذي هو أيضًا عن يمين الله»: ومن في السماء من المؤمنين والقديسين والملائكة جلس في هذا المكان؟ يقول الكتاب «ثم لمن من الملائكة قال اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك» (عبرانيين١: ١٣).
نتائج الشفاعة: «خلاص إلى التمام»
علاوة على رد شركتنا مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح نتمتع أيضًا بالخلاص الكامل. والمقصود هنا ليس خلاصًا من دينونة أبدية قد عبرت وإلى الأبد يوم الإيمان بالمسيح، بل خلاصًا من الضعف وسلطة الخطية علينا.
موقفنا من شفيعنا
كمال عمل المسيح وضمان مركزنا لا يقود المؤمن للتهاون مع الخطية أو الاستخفاف بها. بل نحفظ أنفسنا طاهرين. وإذا سقطنا لا نيأس بل يقيننا بشفاعة المسيح يقودنا لإسترداد شركتنا معه.
عزيزي القارئ: هذا ما عمله، ويعمله المسيح لأجلك. فهل تمتعت بالمصالحة مع الله بوساطة المسيح؟ وهل أنت كمؤمن متيقن من شفاعة المسيح لأجلك حال سقوطك في الخطية؟ ليتك تكفّ عن الاعتماد على نفسك وعلى الآخرين وتثق في كمال عمل المسيح «لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده» (مزمور١٤٦: ٣).