كهنوت المسيح

خدمة ربنا يسوع المسيح في المجد الآن متاحة للجميع. فإن كنت عزيزي القارئ ما زلت في حالة العداء من جهة الله، ولم تَنَل بعد الحياة الأبدية: تعال الآن للرب يسوع؛ فهو المصالح الوحيد والوسيط الوحيد بين الله والناس. وإن كنت أخي المؤمن تشعر بضعفك أمام الخطية وتسقط أحيانًا فيها: تعال للرب يسوع الشفيع، معترفًا وتائبًا، وهو يقيمك من سقطتك ويضمن لك مركزك ومقامك في السماء. وخدمة الرب يسوع كالوسيط والشفيع تكلَّمنا عنها في الأعداد السابقة. وفي عددنا هذا نأتي إلى وظيفة أو خدمة أخرى للرب يسوع:

كهنوت المسيح

الغرض من الكهنوت:

كتب النبي إشعياء «وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا» (إشعياء٦٤: ٦) والنتيجة: أبعدتنا خطايانا بعيدًا عن الله. لكن الله من محبته للبشر أوجد طريقة للاقتراب إليه من خلال الذبيحة. وهذا هو الكهنوت.

تاريخ الكهنوت:

هو قديم بقِدَم الإنسان. فقد كان الآباء قديمًا، كنوح وإبراهيم، يقدِّمون الذبائح قبل أن يكون هناك شرائع أو ناموس يُعلِّم بذلك. ثم نقرأ في خروج١٢ عن كهنوت رؤساء العائلات، إذ كان كل رب أسرة يقدِّم ذبيحة عن بيته. ثم من خروج٢٨: ١ نقرأ عن الكهنوت الهاروني عندما قال الرب لموسى «وَقَرِّبْ إِلَيْكَ هَارُونَ أَخَاكَ وَبَنِيهِ مَعَهُ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَكْهَنَ لِي».

شروطه:

نقرأ فقط بعض الآيات الواردة في الرسالة إلى العبرانيين والتي توضِّح الشروط الواجب توافرها في رئيس الكهنة.

١- مشابهة من يكهن لأجلهم «مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ» (عبرانيين٢: ١٧).

٢- الترفُّق بالجُهَّال والضالين  «قَادِرًا أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالْجُهَّالِ وَالضَّالِّينَ» (عبرانيين٥: ٢).

٣- الله هو الذي يُقيِمه لا الناس «وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا. كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ» (عبرانيين٥: ٤، ٥).

٤- خالٍ من العيوب «لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ» (عبرانيين٧: ٢٦).

٥- الدخول بدم للحصول على الغفران والفداء «وَأَمَّا الْمَسِيحُ، وَهُوَ قَدْ جَاءَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ لِلْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ، وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا» (عبرانيين٩: ١١، ١٢).

لعلك لاحظت عزيزي القارئ أنه لا يوجد سوى المسيح الذي تنطبق عليه هذه الشروط كاملة ويستطيع القيام بهذه الوظيفة.

إحتياجنا لخدمته

وجود المؤمن في برية هذا العالم يعرِّضه للتجارب والضيقات، أشياء لسنا معفيين منها، وتؤدي بنا للألم والتعب، وتحرمنا أحيانًا من شركتنا مع الرب والتعبد له كما ينبغي. وهنا نحتاج إلى من يرفعنا فوق هذه التجارب ويعيننا ويخلصنا منها. فنجد ربنا يسوع المسيح رئيس الكهنة العظيم.

مجال الكهنوت:

كان رؤساء كهنة اليهود قديمًا يدخلون بدم ذبيحة الكفارة في يوم الكفارة العظيم إلى قدس أقداس على الأرض - في خيمة الإجتماع أو الهيكل - ليكفروا عن أنفسهم أولاً ثم عن الشعب، وكان هذا يتكرَّر كل سنة (لمعرفة التفاصيل اقرأ لاويين١٦). أما المسيح فدخل لا بدم ذبيحة بل بدم نفسه، ولا لأجل نفسه بل لأجلنا، ولا إلى قدس أرضي بل إلى الأقداس السماوية مرة واحدة فوجد فداء أبديًا. وبالتالي فقد نقل دائرة الخدمة الكهنوتية من الأرض إلى السماء. وهذا ما يقوله الكتاب المقدس «وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ» (عبرانيين٨: ١-٢؛ رجاء قراءة عبرانيين٨ و٩). وهو له المجد يمارس خدمته الآن لأجلنا فهو:

يسوع: «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ، فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ»، بذات الاسم الذي كان به على الأرض بوداعته وتواضعه وخدمته وهو يجول يصنع خيرًا. هو هو يسوع، فالمجد السماوي لم يغيِّر من صفاته ومشاعره شيئًا.

يرثي لنا: «لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ» عندما كان على الأرض كإنسان احتمل تجارب متعددة ومتنوعة لذا يقدر أن يرثي لكل مؤمن يجتاز في تجربة. ولا تتوقف خدمة الرب الكهنوتية عند الرثاء فقط، بل أيضًا يقدر أن يعين. فأنت يا من تمُرّ بتجربة ستجد في شخص المسيح المُعزّي لكل حزين، والمقوّي لكل ضعيف، والمُريح لكل مُتعَب، والعون لكل محتاج.

خدمة وقت التجارب: مرور المؤمن في التجارب وما يتبعه من ضعف وشكوى عدو الخير ضده أمام الله. هذا لا يُقلِّل من مركزنا الروحي في السماء، بسبب وجود المسيح في كمال عمله كرئيس الكهنة العظيم، حافظًا لمركزنا وقبولنا أمام الله. وهذا كان يُرمَز إليه بدخول هارون إلى قدس الأقداس الأرضي حاملاً أسماء أسباط إسرائيل في الأحجار الكريمة على صدره وكتفيه بغض النظر عن حالتهم في الخارج.

ماذا نفعل: لنا رئيس كهنة عظيم لا يأخذ مركز القيادة بل مركز الخدمة لنا وهو في المجد لحسابنا فعلينا إذن:

- «لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ» (عبرانيين٣: ١). أي يكون هو محطّ أنظارنا.

- «فَإِذْ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ» (عبرانيين٤: ١٤–١٦). الثقة التي لم تكن لأحد من الشعب القديم، أو الكهنة أو رؤساء الكهنة صارت الآن لكل مؤمن، ذلك بعد أن صار عرش الله، لا عرش قضاء ودينونة، بل عرش نعمة بفضل كفارة المسيح.