اشتكت بائعة الجمبري الصينية “وي ويكسيان” في سوق الأسماك بمدينة “ووهان” بالصين من إرتفاع درجة حرارة جسمها بشكل ملحوظ جدًا، مما دفعها لزيارة العيادة الطبية في الطابق الأول من بناية سكنها. بعد الكشف عليها، نصحها الأطباء بالراحة في بيتها وعدم النزول للسوق حتى تتعافى من إصابتها. لكنها لم تهتم وواصلت حياتها كالمعتاد في تعاملها مع التجار والزبائن، مُفضِّلة الحصول على قوت يومها! اشتدت الأعراض عليها جدًا، ولم يستطع الأطباء تفسير ذلك، فتم نقلها إلى مستشفى “ووهان يونيون” للعناية المركزة ليتم تشخيص حالتها واكتشاف إصابتها بنوع فيروس خطير وهو “الكورونا المستجد”. وتبين بعدها أن حوالي ٢٤ شخصًا في سوق ووهان للمنتجات البحرية قد أصيبوا بالفيروس بعد التعامل معها. فتم تسجيلها كـ“الحالة رقم صفر” (بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية). كان ذلك في أواخر ٢٠١٩، انتشر المرض بقوة داخل السوق، ومنه إلى أماكن أخرى بالصين. ومع بداية ٢٠٢٠ واجه العالم أجمع أزمة انتشار الفيروس الخطير “كورونا” مُنطلقًا من “ووهان” إلى كل بقاع الأرض شرقها وغربها، شمالًا وجنوبًا، الدول المتقدمة ودول العالم الثالث، حتى صار وباءً عالميً.
ترجع خطورة هذا الفيروس لكونه جديدًا على البشرية جمعاء، فحتى لحظة كتابتي لهذه الكلمات لا يوجد دواء لعلاجه، كما أن أعراض المرض خطيرة جدًا، فالكثيرون يصابون بارتفاع درجة حرارة الجسم، رعشة بدنية، التهاب في حلق الزور، صعوبة في البلع، لكن تظل أخطر الأعراض هي صعوبة التنفس وهي التي تؤدي بحياة الكثيرين.
أثناء متابعتي لارتباك العالم كله أمام فيروس ضئيل جدًا ولا يُرى بالعين المجرّدة، شكرت الرب على سيطرته على مجريات وتوابع الأحداث فـ«الرَّبُّ فِي الْعُلَى أَقْدَرُ» (مزمور٩٣: ٤)؛ وامتلأ قلبي بسلامه العجيب، فهو صاحب الوعد الصادق والأمين «لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ. بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي... لاَ تَخْشَى... مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ... لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي» (مزمور٩١). واسمح لي يا عزيزي أن أشاركك ببعض الأفكار:
١- تفشي الوباء
من المظاهر الغريبة للوباء الكورونا COVID١٩ هو سرعة انتشاره بشكل خطير جدًا، وهو لم يفرِّق ما بين الكبير والصغير، الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، مشاهير العالم ومعجبيهم، حكام، رؤساء، ملوك وأمراء. انتشر المرض وانتشر معه الخوف والرعب من المجهول أيضًا، فلا الإمكانيات المادية، والعلمية، والاجتماعية، والمهنية، قادرة على الحماية والحصانة من الأصابة بالمرض.
لقد تعاملت “وي” بسطحية شديدة مع أعراضها، فسبَّبت الخطر لنفسها ولكل من هم حولها. ألا تذكر تحذير بولس الرسول «إِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ» (١كورنثوس١٥: ٣٣)، فاحذر يا عزيزي مع من تتعامل ولا تتهاون مع العلاقات الشريرة فهي “مدمرة” لحياتك روحيًا و إنسانيًا.
مع انتشار وباء “الكورونا” في بلدان كثيرة حول العالم، تذكَّرت كلمات الوحي المقدس عن تفشي الخطية وسط الجنس البشري فـ«الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية٣: ١٢). وزيغاننا هذا عن الرب أدى إلى ضلالنا عن الطريق الصحيح «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء٥٣: ٦)، وانتشر وباء الخطية في جسدنا البشري، فإنطبق علينا الكلام «كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ» (إشعياء١: ٥-٦). عزيزي، هل تدرك خطورة حالتك الروحية بعيدًا عن خلاص المسيح؟ فبدون المسيح ينتشر، وبصورة خطيرة جدًا، وباء داخلي اسمه الخطية، لم يفلت منه أحد من الجنس البشري. هل تُقِرّ بذلك مع داود النبي «لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا. إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ... هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور٥١: ٣-٥)، إذا أدركت ذلك هنيئًا لك، فأنت على بداية الطريق، دعني أخبرك عن علاج الله لوباء الخطية الإنسانية.
٢- البحث عن الدواء
مع تفشي الفيروس وزيادة عدد المصابين وارتفاع حالات الوفاة بشكل مرعب، خرجت الأصوات عالية بحثًا عن دواء لتلك المصيبة العالمية. وحتى اللحظة لا يوجد.
تمامًا مثل فيروس الكورونا وخطورته على حياة ضحاياه، الخطية نتائجها خطيرة جدًا، بل ومميتة، على كل الجنس البشري «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية٦: ٢٣). احذر يا عزيزي، فالإنسان بدون المسيح يواجه مصيرًا حتميًا وخطيرًا هو الموت الأبدي والانفصال عن الله القدوس. لكن شكرًا للرب فقد جاء العلاج السماوي بمجيء المسيح إلى عالمنا وموته على الصليب نيابة عن كل واحد مننا «الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ» (١بطرس٢: ٢٤) وبذلك يتبرر كل من يؤمن به أمام الله (رومية٣: ٢٤).
٣- العالم إلى الفناء
أثناء تفشي وباء الكورونا، ظهرت نصائح ونظريات عديدة للحد من انتشاره بين البشر، إحدى أهم تلك النصائح هي العزل الاجتماعي Social Distancing بمنع التجمعات والتكتلات البشرية. وإذ بغتة، توقفت حركة الطيران والسفر بين الدول، وأُغلقت المتاجر والمطاعم، وبدا العالم أجمع في ارتباك حقيقي. تم إلغاء المناسبات والاحتفالات، وأصبح كوكب الأرض مهجورًا وكأنه خالٍ من سكانه. وأصيب الجميع بالخوف والرعب، والتزموا حدود منازلهم، وأصيب العالم بشلل تام اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا؛ أمام عدو ضئيل، مما يؤكِّد هشاشة النظام العالمي!
تحوَّلت فرصة العزل لتكون سبب بركة وتشجيع للكثيرين لإعادة حسابتهم في كيفية قضاء وقتهم (الذي يساوي عمرهم). فجأة فرغت أجندة الأعمال اليومية من تفاصيلها المزدحمة وصار هناك متسع من الوقت. البعض منهم اختبر قول الرب لتلاميذه «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلًا» (مرقس٦: ٣١). فالتف الكثيرين حوله في دراسة الكلمة والصلاة والترنيم مستغليين وسائل التواصل الأجتماعي. بينما الفريق الآخر ظل يمضي وقته في التذمر على الحال، والخوف، ومتابعة القنوات الإخبارية ونسوا تمامًا اللجوء إلى الله في أزمتهم!
عزيزي، إذا كان الله سمح لك بنعمة الحياة والوقت، فكيف تقضي وقتك؟ احذر فان «الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ» (١كورنثوس٧: ٢٩-٣١).