هل الصلاة ذات أهمية في حياة المؤمنين؟
أم هي طقوس دينية وشعائر روحية كما يسميها البعض؟
هل هي واجب ثقيل؟ أم متعة جميلة؟
صديقي، هل جرَّبتها؟
لأهمية الصلاة في حياة المؤمنين أفرد الرب لها جزءًا كبيرًا في عظة الجبل، والتي تتكلم كثيرًا عن مبادئ وسمات تابعي المسيح.
أولاً: أهمية الصلاة
١. الصلاة هي لغة الحب، الشركة والاتصال بالله. هي التنفس للمؤمن، الكائن الحي، والدليل الأول على حياته الجديدة. لقد كانت أول علامة ظهرت على شاول الطرسوسي بعد ايمانه «هُوَذَا يُصَلِّي» (أعمال٩: ١١).
٢. إن الرب يسوع له المجد لم يُعلِّم فقط عن الصلاة بل كان مُصليًا في كل المواقف، في الصباح الباكر وطوال الليل، حتى أنه قال عن نفسه «أَمَّا أَنَا فَصَلاَةً» (مزمور١٠٩: ٤).
٣. الصلاة هي السلاح الذي استخدمه كل الأتقياء عبر العصور «إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجُوا. عَلَيْكَ اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزُوا» (مزمور٢٢: ٥).
ثانيًا: كيفية الصلاة
يتحدث الرب يسوع في عظة الجبل عن كيفية الصلاة في جملة صغيره قائلاً: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ...» (متى٦: ٦) نلاحظ فيها الآتي:
١. لم يحدِّد الرب يسوع مواقيت ومواعيد يجب أن نصلي فيها، بل ينبغي أن يُصلى كل حين ولا يُمَل.
٢. «َادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ» (متى٦: ٦)، لتكن علاقتك مع الرب في الصلاة شخصية، قلبية، وليكن لك مكان هادئ تلتقي فيه مع أبيك السماوي.
٣. «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ» (متى٦: ٥)، أولئك الذين يحبون أن يصلّوا ليس حبًّا في الشركة مع الله بل بهدف الظهور للناس، حوّلوا الصلاة إلى مظهر للكبرياء والتفاخر أمام الناس بدل أن تكون لغة الانكسار أمام الله. لا أقصد أنه من الخطأ أن نصلي أمام الناس في أي مناسبة، ولكن اتجاه القلب يكون لله وحده.
٤. «فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (متى٦:٦). صلى الكثيرون ولم نعلم بصلاتهم، لكن الجميع شاهد مكافأة الآب لهم. فلم نرَ موسى يصلي أمام بحر سوف، لولا أن الرب قال له: «ما لك تصرخ إليّ!»، لكننا ما نراه هو استجابة وإنقاذ وتداخل الله له.
٥. «وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ» (متى٦: ٧). ينهى الرب عن التشبُّه بالأمم في صلواتهم والتي تمتلئ بالتكرار ظنًا منهم أن هذا يجعل الإله يرضى عنهم. هذا غير أن أُكرّر جملة أو صلاة لشعوري بالاحتياج، فالمسيح نفسه صلى ثلاث مرات في جثسيماني. لذلك ختم الرب الكلام مؤكدًا استجابة الله أبونا قائلًا: «فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (متى٦: ٨).
ثالثًا: لماذا نصلي؟
١. لأن الطبيعة الإلهية في داخل كل مؤمن تشتاق وتتلهف للحديث والتمتع بالرب، «ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ» (غلاطية٤: ٦). وأيضًا بداخل كل مؤمن أشواق وعطش للرب وسط جدوبة الأرض «يا الله إِلَهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلاَ مَاء» (مزمور٦٣: ١).
٢. لأن الصلاة هي الأسلوب الذي علمنا إياه الرب لمواجهة الأزمات، وهذا يملأ صفحات الكتاب كله. وأكتفي بمثال واحد للكنيسة الأولى عندما علِمَت بالقبض على بطرس، إذ كان هيرودس ينوي أن يقتله، فيقول الكتاب: «وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أجله» (أعمال١٢: ٥). وأنقذ الرب بطرس إنقاذًا عظيمًا.
٣. نصلي ليس لننال استجابة محددة، بل لكي تُعلم طلباتنا ومخاوفنا لدى الله، وبدل القلق نستمتع بسلام الله «وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي٤: ٧).
٤. الصلاة هي التعبير عن أننا ضعفاء ونحتاج إلى الرب، كما أن العكس أيضًا صحيح، أي قلّتها تشير على عدم حاجتنا للرب. فما أروع ما يُكتَب عن ربنا يسوع بالنبوة «صَلاَةٌ لِمِسْكِينٍ إِذَا أَعْيَا وَسَكَبَ شَكْوَاهُ قُدَّامَ اللهِ يَا رَبُّ» (مزمور١٠٢: ١).
ما أروع ما عبَّر به بنو قورح عن الاشتياق للحديث مع الله، والتي بحق أعتبرها تعريف جميل للصلاة، عندما قالوا «عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ» (مزمور٤٢: ١).
أخوتي؛ ما أحوجنا للصلاة، وسط برية موحشة وتحديات وحروب رهيبة! دعونا نتقدَّم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة نجد نعمة عونًا في حينه.