طالت المدة وما يزال العالم متخبطًا، متحيرًا أمام فيروس كورونا الشرس. فقد تخطت الإصابات (وقت كتابة المقال) ثلاثة ملايين إصابة حول العالم، ومات أكثر من مئتي ألف شخص! وصار العالم كله في خوف وهلع لا مثيل له. وقد تحدثنا في العدد السابق عن بعض الدروس المُستفادة من هذا الحدث الجلل. وفي هذا العدد نستكمل حديثنا ولكن من زاوية أخرى.
حديثي معك اليوم أخي الشاب/ أختي الشابة عن أنواع مختلفة من البشر ظهروا في هذه الأحداث، وكيف نتعلم من كل نوع فيهم لفائدتنا الشخصية.
النوع الأول: المصدومون
هؤلاء صُدموا صدمة كبيرة فيما حدث؛ وهذا النوع ظهر بكثافة في الأوساط والدول التي كانت تثق في قدراتها وإمكانياتها، ولا تتخيل في يوم من الأيام أن فيروس صغير لا يُرى بالعين المجردة يمكن أن يفعل بالبشرية كلها كل هذا. مثل هؤلاء لم يكونوا يتصورون يومًا أن حياتهم ستنقلب رأسًا على عقب في خلال أيام قليلة. ودون سابق إنذار. وما زاد من صدمتهم، ورعبهم؛ سقوط قتلى بأعداد غفيرة في أيام قليلة.
ومن هؤلاء نتعلم ألا نثق يومًا في الإنسان الضعيف، المسكين، المحدود. بل علينا أن نضع كل الثقة في إلهنا العظيم. القادر على كل شيء دون سواه. فبكل أسف، ثقة الإنسان الزائدة في نفسه، وفي ما وصل إليه من تكنولوجيا وتقدُّم مُبهر؛ جعلته يمتلئ كبرياءً وغرورًا يفوق الوصف، حتى صار يتباهى بإنكار وجود الله. وأصبح كل همه أن يُشبع رغباته، وشهواته. ساخرًا من كل من يؤمنون بالإله العظيم صاحب السلطان. لكننا اليوم نعود بكل الشكر والسجود والإكرام لمن قال لنا يومًا: «طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ» (متى٥: ٣).
النوع الثاني: الساخرون
هؤلاء أخذوا الأمر في بدايته بسخرية، واستهزاء، ولا مبالاة. حتى وجدوا أنفسهم أمام أمرٍ حقيقي يفرض نفسه على الجميع. ووجدوا الموتى في كل مكان. فانقلبت سخريتهم إلى خوف داخلي رهيب. وربما أكثر من ذلك!
سمعت عن أحد ضحايا الفيروس وقد كان طبيبًا محبوبًا من كل المقربين. ووجدت أحدهم يكتب عنه وعن استنجاده بأصدقائه على صفحات التواصل الاجتماعي قبيل ساعات من موته، فدخلت على صفحته الشخصية. وصُدمت بأن الأمر لم يستغرق سوى أيام قليلة. فقبل أسبوع من موته كان يُشارك أصدقائه بصور ساخرة عن الفيروس، لكن بكل أسف خلال أسبوع حدث ما لم يكن يتوقعه أحد، وأصيب ذلك الطبيب ثم مات في دقائق معدودة.
هذه القصة وغيرها من القصص المؤسفة، تجعلنا نقف وقفة مع النفس؛ مفكرين فيما قد يحدث من حولنا. علينا ألا نأخذ الأمر باستهتار واستهزاء. لا أتكلم عن كورونا فقط، بل أتكلم عن الحياة بجملتها. رائع أن نضحك، وشيء عظيم أن نخفف من وطأة الضغوط التي نمر بها بالقفشات، والقصص المضحكة. لكن هذا لا يجعلنا نستخف بكل الحياة. لا بد وأن تُقرر قارئي العزيز أين ستكون في الأبدية؟ ولا بد لك أن تكون على يقين كامل بقبول الله لك، وبضمانك للحياة الأبدية في المسيح يسوع. وإجمالاً أقول لك قبل أن تُغادر الأرض اسمع صوت الروح القدس يهمس لك: «فَاسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلهِكَ» (عاموس٤: ١٢) فهل أنت مستعد؟
النوع الثالث: الخائفون
هؤلاء ليسوا قليلون على الإطلاق، ولا نتكلم هنا عن الخوف الطبيعي الذي يحق لكل إنسان أن يشعر به أمام أزمة مثل هذه الأزمة. إنما نتكلم عن الخائفين خوفًا غير طبيعي. وأعتقد أن جميعنا شاهدنا على مواقع التواصل الاجتماعي الخوف والهلع الذي أصاب الناس في العالم أجمع، حتى أن المواد الغذائية، والمناديل الورقية، والمطهرات، والمنظفات اختفت من الأسواق في غضون أيام قليلة. كما تابعنا جميعًا رفض الناس دفن طبيبة في مدافن القرية لأنها ماتت أثر إصابتها بالكورونا.
مشاهد الخوف تذكرني بأول مشهد للخوف في كلمة الله؛ بعد سقوط آدم وحواء في الخطية مباشرة. كان أول ما أصابهم هو الخوف حتى أن آدم قال للرب: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» (تكوين٣: ١٠). فالخوف هو نتيجة من نتائج السقوط، والاستقلال عن الله؛ لذلك فالكتاب يُعلمنا أيضًا أنه لا خوف في السير مع الله، والتمتع بالعلاقة الصحيحة معه، كما قال داود مرنمًا: «لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مزمور٢٣: ٤). كما يُعلمنا أن المؤمن الذي يشبع بمحبة الله لا يشعر بنفس الخوف الذي يُصيب البعيدين عن الله حيث «لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ لأَنَّ الْخَوْفَ لَهُ عَذَابٌ» (١يوحنا٤: ١٨).