روى أحدهم هذه القصة:
كان لدى أبي دائمًا حِسٌ جيِّدٌ بالاتجاهات، طالما كنتُ أحسده عليه. وكان يعرف بالغريزة أين الشَّمالَ والجنوبَ، والشرقَ والغربَ. وكان مُصيبًا دائمًا، إلى أن جاءت الليلة التي لم يكن فيها مُصيبًا!
لقد ضلَّ والدي وتاه في تلك الليلة. فقد كان هو وأمي يحضران مناسبة في مدينة غير مألوفة بالنسبة لهما، وغادراها بعد حلول الظلام. كان والدي مقتنعًا بأنه يعرف طريق العودة إلى الطريق السريع. لكنَّه في الحقيقة لم يكن يعرف. لقد ضلَّ طريقه، فتشوَّش وارتبك، وأُصيب بخيبة أمل وإحباط. فقالت له والدتي وهي تُطمئنه: “أعلم أنَّ الأمر صعب عليك، لكن أطلب من هاتفك المحمول الاتجاهات. فلا بأس من أن تفعل ذلك”. وللمرة الأولى في حياته، قام أبي بالبحث لمعرفة طريقه، عن طريق الهاتف الجوال.
وكان داود الملك رجلاً لديه ثروة من الخبرات الحياتيَّة. لكن كثيرًا ما جاءت عليه لحظات بدا فيها تائهًا روحيًّا ونفسيًا. ويحتوي مزمور١٤٣ على إحدى تلك اللحظات. كان قلب الملك العظيم مضَّطربًا، فقال: «أَعْيَتْ فِيَّ رُوحِي. تَحَيَّرَ فِي دَاخِلِي قَلْبِي»، وكان في ضيق، فصلى قائلاً: «بِعَدْلِكَ تُخْرِجُ مِنَ الضِّيقْ نَفْسِي». وطلبَ من الرب: «أَسْمِعْنِي رَحْمَتَكَ فِي الْغَدَاةِ، لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ». وأفضل كثيرًا من الاعتماد على الهاتف الجوال، صرخ داود إلى الله: «عَرِّفْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا، لأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ (أو سَلَّمتُ) نَفْسِي».
وإن كان الرَّجُلُ الذي حَسَبَ قَلْبِ الله، قد شعر بالّتيه والضياع، من وقت إلى آخر، فمِن المؤكد أننا نحتاجُ إلى اللجوء إلى الله لطلب التَّوجيه والإرشاد. ودعونا نرى بعض الطرق التي بها يرشدنا الرب:
١. من خلال الشعور بمحضر الرب والشركة
ففي خروج٣٣: ١٣-١٥ يدعو موسى الرب: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ». وهذا هو الطريق الأول الذي به يرشد الرب شعبه؛ عن طريق الشعور الدائم بمحضر الرب. كان موسي يطلب إرشاد الرب فيما يختص برحلة الشعب في البرية، وقال له الرب: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ»؛ أي أن محضر الرب سيقودهم، وهذا كان ظاهرًا في سحابة المجد التي كانت فوق الخيمة، وعندما كانت تتحرك يتحركون معها، وعندما كانت تتوقف كان يجب أن يتوقفوا. كل ما عليهم أن تتثبت عيونهم على السحابة، ويُقيموا تحتها، فكانت كمظلة لهم من الشمس الحارقة نهارًا، وعمود نار يضيء لهم ليلاً. إنها صورة جميلة للقيادة بواسطة الشعور بحضور الرب.
وعندما قال موسي: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا». وكأن لسان حاله قائلاً: “يا رب إذا لم يكن حضورك معنا، فلا نريد أن نتحرك!” ونحن أيضًا لا يجب أن نرغب في الذهاب إلى أي مكان، إذا لم يكن لنا الشعور بمحضر الرب معنا. وما أتحدث عنه هنا هو الشعور بالسلام، الذي هو امتياز كل مؤمن، ويأتي عن طريق السلوك الصحيح مع الرب «لْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ» (كولوسي٣: ١٥). تلك هي حالة المؤمن الذي له شركة مع الرب، ولا يجب أن نسمح بأي شيء في حياتنا يعكر صفو هذا السلام. وعندما نتخذ خطوة خاطئة، فسوف نشعر بأننا خارج هذه الدائرة، وسنفقد سلامنا، ولهذا يجب أن نُلاحظ خطواتنا، ونطلب أن نُقيم في طريق فعل مشيئة الله، لأنه في هذا الطريق سيرشدنا الرب بامتلاك الشعور بمحضره.
(٢) من خلال مبادئ كلمة الله
فعن كلمة الله نقرأ «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي»، «شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي، أَهْلُ مَشُورَتِي» (مزمور١١٩: ١٠٥، ٢٤). فبخصوص اتخاذ خطوة معينة في أمر ما، علينا أن نسأل أنفسنا: “هل هذا الأمر يتفق مع كلمة الله؟ وهل هناك مبدأ في كلمة الله يُعضد ذلك؟” وهكذا نحتاج إلى دراسة كلمة الله، لنتعلَّم المبادئ الكتابية لأجل الطريق.
افترض أن شخص ما أتي إلىَّ راغبًا في الدخول في علاقة معي، وهذا الشخص ليس للرب، فهل أقبل ذلك؟ ما هي مشيئة الله لي؟ وهل هناك أي مبدأ كتابي يرشدني في ذلك؟ نعم، إن كلمة الله واضحة بخصوص هذا الشأن، «لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ» (٢كورنثوس٦: ١٤).
(٣) من خلال أعمال العناية الإلهية
«قَلْبُ الإِنْسَانِ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ يَهْدِي خَطْوَتَهُ» (أمثال١٦: ٩)، وأيضًا «عَرَفْتُ يَا رَبُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ طَرِيقُهُ. لَيْسَ لإِنْسَانٍ يَمْشِي أَنْ يَهْدِيَ خَطَوَاتِهِ» (إرميا١٠: ٢٣). وهنا نجد طريق آخر يرشدنا الله به، وهذا من خلال أعمال عنايته الإلهية. إنها طرق عمل الله من خلف الستار في حياة البشر، وبما أن الله كلي القدرة والسلطان، لذا فهو يقدر ويعمل في كل تفاصيل الحياة اليومية، فلا شيء يحدث مصادفة «مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟» (مراثي٣: ٣٧). فلا شيء يمكن أن يحدث إلا بتعيينه، وهو لا يسمح إلا بما يُريد، تلك هي العناية الإلهية، فهو يقودنا بواسطة أشياء معينة يسمح بها في طريقنا، وبها نقدر أن نُميز مشيئته.
ولكن لنتحذر عندما ننقاد بواسطة الظروف، فمن الجائز أن ننخدع. فالخطورة هي عندما نُحاول تفسير الظروف ونحن لسنا في شركة مع الرب. فنحن عرضة لأن نُسيء فهم الظروف، ونُسيء فهم الكتب، طالما لسنا في شركة مع الرب.
ولدينا إيضاح لإرشاد الرب بواسطة الظروف، فقد أرسل إبراهيم عبده ليُحضِر زوجة لابنه إسحاق. فنجد أولاً أن هذا العبد قد صلى من أجل ذلك، ووضع الأمر أمام الرب لكي يقوده لِمقابلة الفتاة المُعيَّنة مِن قِبَلَهُ، فصلى أنه عندما يسأل البنت بعض الماء ليشرب، تكون هي في نفس الوقت راغبة أن تُعطيه ليشرب، وأكثر من ذلك تكون راغبة في أن تسقي جماله أيضًا، وهذا بالضبط ما حدث! وهكذا نسمعه يقول: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ... إِذْ كُنْتُ أَنَا فِي الطَّرِيقِ، هَدَانِي الرَّبُّ» (تكوين٢٤: ٢٧).
(٤) من خلال الأنبياء
فنقرأ «حَيْثُ لاَ تَدْبِيرٌ (مشورة) يَسْقُطُ الشَّعْبُ، أَمَّا الْخَلاَصُ فَبِكَثْرَةِ الْمُشِيرِينَ»، وأيضًا «أَمَّا سَامِعُ الْمَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيمٌ» (أمثال١٢: ١٥). فهنا نجد طريقة أخرى يرشدنا بها الرب، وذلك من خلال أقوال الأنبياء! ولربما تقول هل الله لا يزال يستخدم أنبياء اليوم؟ بالحقيقة هو يفعل ذلك؛ إنه مزمع أن يستخدم إخوتك كأنبياء، أو بطريقة نبوية في الحديث لفكرك، فمن الممكن أن أحد إخوتك يأتي إليك بكلمة من الله عن طريق فمه، ويُعطيك مشورة إلهية، سواء يحرضك على شيء أو يحذرك من شيء، فهم يتصرفون في ذلك الوقت كأنبياء، ونحن نحتاج أن نسمع لهم. وإنني أرجوك أن تسمع لهؤلاء الذين لديهم معرفة بطرق الله، ولهم تدريبات واختبارات مع الرب، فهم يقدرون أن يُعطوك مشورة صالحة، في قرارات الحياة. ولتتحذر بالطبع لئلا ننساق وراء أي نصيحة، لأنه توجد نصائح سيئة. وتذكر أنه في كل الأربع الطرق التي يقودنا بها الرب، يجب أن نكون في حالة روحية صحيحة أولاً، وفي شركة مع الرب، وبالتالي إذا جاء شخص ما إليك بنصيحة غير صالحة، فستكون قادرًا على تمييزها.
عزيزي: ما الأمر الذي يجعلك في هذه الأيام تشعر بأنك تائهٌ أو مشوَّشٌ أو مرتبكٌ، أو شاعرٌ بالإحباط وبخيبة الأمل؟ اطلب الإرشاد والتَّوجيه من الله، لأن هذا هو الأفضل.