ضاع العمر فى إنتظار الملاك


يوحنا٥: ١–١٢

«وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ “بَيْتُ حِسْدَا” لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: “أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟” أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: “يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ”. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: “قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ”. فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ. فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: “إِنَّهُ سَبْتٌ! لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ”. أَجَابَهُمْ: “إِنَّ الَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ”. فَسَأَلُوهُ: “مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ لَكَ: احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟”».

يوم زي أي يوم، ما هي الأيام بتتشابه، صوت أرجل تدب.. لا يهم.. ما هو ناس كتير بتعدي ليل نهار.. ما فيش جديد.. وما فيش ما يدعو للأمل...

أروقه خمسة حول البركة الكبيرة.. عند باب الضأن.. ياه!!! باب الضأن...؟؟ أيوه دا الباب اللى كانت بتدخل منه الذبائح.. آه.. كانت أيام...!!

سالت دموعه.. فين الأولاد؟ فين الزوجة؟ فين الأقارب؟ ولاّ الأصدقاء؟ ما فيش أصدقاء.. هيعملوا إيه لواحد مُقعد.. مشلول.. ما منوش رجاء؟

وا حسرتاه! حياة أردأ من الموت.. وأقسى من كل قسوة.. دائرة مغلقة من الإحباط..

هل عانيت يوما شعورًا كهذا؟

يقول قائل: يا راجل.. الأمل موجود.. يمكن الملاك يحرك المية الليلة دي.

يووووووه.. ماحركها بدل المرة عشرات المرات.. دول ٣٨ سنة أنا هنا شاهد إثبات.. أنا الشيء الوحيد الذي لا يتحرك هنا.. ليتني أموت وتنتهي جراحي.. قالها بحسرة.. فلا طعم ولا لون للأيام!!

ألمثل هذا رجاء في شفاء؟ ومن يدري به وبآلامه المبرحة. وإن كان الأهل تركوه فمن إذًا يهتم؟؟

سؤال برئ.. طيب خلال ٣٨ سنة ما قدرتش تنزل ولا مرة؟

نسيت أقول لك.. كل ما أحاول أنزل عشان أنا حركتي بطيئة، ينزل قدامي آخر.. ويتشفي.. وأشوف الفرحة في عنيه.. وهو ماشي يدعو لي بالتوفيق المرة الجاية.. وما فيش فايدة.. الملاك.. المية.. حلم الشفاء المستحيل.. العجز.. الفشل.. الإحباط.. الدائرة المغلقة المزعجة!!

الخطوات إياها تقرب.. لم يلتفت وكأن لا يعنيه الأمر.. أهو واحد معدّي زي كل الناس اللي عدوا، واللي لسه هايعدوا.. يمكن جايب مريض.. أو هو إنسان طيب جاي يسأل على واحد غلبان.

صوت الرجل يقرب.. إنسان جميل يدنو منه ويجلس إلى جوار المفلوج وكلام يجيب كلام.. لأول مرة من زمان يتكلم مع شخص يسمعه.. والضيف العجيب يسأل سؤال عجيب: أتريد أن تبرأ؟

سؤال غريب.. إجابته البسيطة.. طبعًا!! أمال أنا هنا ليه؟ أكيد مش جاي أصيّف!!

لكن لكونه مأسورًا فى فكرة الملاك اللى بيحرك الميه.. وما فيش بالنسبة له وسيلة غير كده؛ قال بآسى: يا سيد.. ليس لي إنسان يلقيني في البِركة متى تحرَّك الماء.. بل بينما أنا آتي ينزل قدامي آخر.

ثلاث مشكلات معقدة ليس لها من حل:

المشكلة الأولى: تحرك الماء فجائي وليس بميعاد.. لذا يلزم اليقظة والخفة في الحركة.. ومن أين لمفلوج عاجز؟!

المشكلة الثانية: ليس له إنسان.. عاجز وليس له أحد يعينه على الوصول إلى البركة متى تحرك الماء.. ومن هو هذا الذي يحمل رجل ويسرع به إلى الماء عندما يحرك الملاك الماء فجأة.. أين هو؟ لا بد أن يكون مقيمًا بجواره وساهرًا يقظًا!!

المشكلة الثالثة: الذي ينزل أولاً يشفى.. وبينما يهم في الحركة ينزل أمامه آخر.. زحام المرضى وخفة حركتهم تعطي لهم الأفضلية.

كان أسيرًا لكل هذه الإحباطات.. لذا بعد كل البعد عن الإجابة البسيطة المنطقية التي تمثل احتياجه، وتحدَّث عن المعوقات، وظن أنه لو تغلب على معوقاته هذه لكانت المشكلة قد حُلت منذ زمان.

والرب يسمع باهتمام وتعاطف متفهمًا آلامه الجسام، مخترقًا أعماق نفسه المدمرة كليًا، وجروحه الغائرة وتخبطه الشديد. كان تعاطف الرب لازمًا لأن يرى - بعد ٣٨ سنة - أن أحدهم يهتم! والحقيقة أن ليس غيره يهتم (له المجد).

ولكن الحل عند الرب السيد أبسط من كل تعقيدات البشر، وأن جباله العالية سهول أمام السيد، وأمواج بحره المتلاطمة ستقف خاشعة عند قدمي سيد الأكوان العجيب!

والرب في مكان القيادة، صاحب السلطان الأعلى يأمره بالنهوض، فنهض (حل عليه إيمان عظيم فصدَّق القول، وأُعطى قوة فنهض ونال صحة فحمل ثقلاً).

من أين كل هذا؟

لقد رأى شخصًا ليس كأي شخص، وسمع قولاً ليس كأي قول، إنه السيد الوحيد، ربنا المجيد، بقوة كلمته وأمر سلطانة تبدَّلت الأحول، في لحيظة إيمان!

وتهيأ جسده بقوة كلمة المسيح العظيم التي غيَّرت كل شيء.. نهض، وحمل، وسار، ونسى أمر البِركة والملاك والماء، ولم يعد له حاجة إلى إنسان، فقد رأى سيد الأكوان ورب الخليقة وجهًا لوجه.

في لحظة مضيئة، كان الرب له كل شيء: الماء والشفاء والإنسان (الذي يوجد لكل إنسان ليس له إنسان).

وعلى غير ما كان يظن هو، السيد لم يُلقه في الماء وكأنه حجر، لكن أقامه وأصعده وسيّره، وشفاه.

يومًا لا يُنسى في حياة إنسان غطَّت الظلمة حياته، والتحف باليأس سنينَ هذه عددها، وفقد الرجاء في نفسه وفي الآخرين، ولم يكن له قوة ليذهب، لكن يسوع فى محبته أتى إليه، إلى حيث ألقوا به ونسوه!

تمامًا، كما يناديك الآن، فلا تصم أذنيك ولا تقسي القلب.. ثق أنه يدعوك.. مهما كانت قيودك وأحزانك فلسوف يرسلك إلى الحرية.. وإلى الشفاء الكامل.. إلى الحياة الأبدية.. مد يدك الآن بالإيمان.. هوذا يناديك.


نشأت نصحي