تكلَّمنا في العدد السابق عن الإشاعات التي يُطلقها الشيطان، ويبثها في أذهاننا بهدف إبعادنا عن العلاقة الصحيحة مع الله، والمفهوم الصحيح للشركة معه؛ فتكون النتيجة الطبيعية أننا نشعر بثقل العلاقة، وصعوبتها. ومع الوقت نجد أنفسنا بعيدين جدًا عن الله، ومفتقدين للسلام والفرح والراحة المذخَّرة لنا في المسيح يسوع. وقد وضعنا تعريفًا بسيطًا للإشاعة بأنها أكاذيب قد لا نعرف مصدرها، تنتشر بسرعة ويُصدقها بعض الناس؛ وبمرور الوقت يتعامل معها الكثيرين على أنها حقيقة ومبدأ واقعي.
في هذا العدد نستكمل حديثنا ونتناول إشاعة أخرى أطلقها الشيطان، مستغلاً ضعفنا، وبُعدنا عن الله، مؤكِّدًا إياها بأحداث ومشاهد من الحياة. حتى إن الكثير من المؤمنين مقتنعين بأنها حقيقة. وربما ينادون بها. ويعلمون بها آخرين.
لقد خسرت كل شيء، لا فائدة.
من أصعب، وأسوأ الإشاعات التي يُطلقها الشيطان، ويبثها في أذهاننا؛ ليُبعدنا عن الله قدر المستطاع. ويختار توقيت معين كما سنرى الآن.
بعد ما يكون لك وقت شركة، وعلاقة قوية وحقيقية مع الله، ثم تسقط أو تضعف قليلاً؛ يأتي الشيطان الماكر الخبيث ويبث فيك شعورًا بالإحباط، والفشل، مغموسًا بالندم نحو الوقت الذي مضى، والذي كنت فيه مستمتعًا بعلاقة خاصة وشركة عميقة مع الله؛ محاولاً إقناعك بأنه لا فائدة من كل صلواتك، وقراءتك، وأصوامك التي عشت فيها ومارستها في الأيام الماضية، لا قيمة لكل تعبك وسهرك أمام الله فها أنت قد سقطت من جديد. وكأن شيئًا لم يكن - هكذا يحاول إيذائك، وإبعادك عن طريق العودة إلى الله من جديد. لكن دعني أقول لك الحقيقة؛ رغم ما تعانيه من ضعف وربما سقوط عنيف بعد أوقات الشركة العميقة مع الله. ورغم الخسارة الفادحة التي تشعر بها، إلا أنك لم تخسر كل شيء كما يحاول الشيطان أن يُقنعك، ولم تفقد ما أخذته وتمتعت به في علاقتك مع الله، وشركتك معه. فما أخذته يسكن داخلك، معلِّمًا ومنذرًا ومحفِّزًا في وقته. فإننا نؤمن بأن كلمة الله «هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ» (إشعياء٥٥: ١١).
دعني أذكرك ببعض الأمور التي يتعلمها المؤمن خلال شركته العميقة مع الله، ولا ينساها بمرور الوقت؛ على سبيل المثال: ثقتك الكاملة بأن العلاقة الحقيقية مع الله تجعلك فرحًا، ومنطلقًا، وممتلئًا بشعور الحرية، وهذه الثقة ناتجة عن اختبار حقيقي وشعور لا يقبل الشك كان يملؤك وأنت أمام الله وفي محضره. ثقتك بأن كلمة الله هي الغذاء الوحيد والحقيقي للروح نتيجة ما حدث معك وأنت تلهج في الكلمة المقدسة وتقرأها بروح الصلاة والتأمل. إيمانك بقدرة الروح القدس على تغيير الحياة بجملتها؛ هذا الإيمان الذي زرعه الروح القدس داخلك بعد أن رأيت بنفسك التغيير العظيم الذي حصلت عليه بخضوعك لعمل الروح القدس، وتشكيله في حياتك. هذا غيَّر اختباراتك الكثيرة التي تعلن عن قوة الروح وعمله العظيم في حياة الممتلئين به، واليقين الكامل بأن الله يتكلم بقوة إليك في كل ظروف حياتك حيث اختبرت في الكثير من الأوقات شعورًا عجيبًا بأن الله يجلس بجوارك ويتحدث إليك بينما كنت تقرأ الكتاب المقدس. كل هذه الأمور وغيرها قد أخذتها من الرب أثناء علاقتك العميقة معه. ورغم كل الضعفات والسقطات إلا أن هذه اليقينيات لم تتغير في حياتك. بل يستخدمها الروح القدس في إعادتك من جديد لحضن الآب، والتمتع بالشركة معه ومع ابنه.
أقول هذا حتى لا يملؤنا الاحباط والشعور بالفشل في أوقات ضعفنا. ونشعر بأننا لن نعود مرة أخرى لما كنا فيه، ولن نختبر ما سبق واختبرناه في محضر الله. والأصعب من ذلك هو شعورنا بعدم فائدة الأوقات التي قضيناها أمام الرب، والساعات التي قضيناها في الصلاة واللهج بالكلمة. هذه من أسوأ الأفكار التي يحاول الشيطان أن يبثها في أذهاننا حتى لا نحاول أن نقوم من جديد. بعد أن يقنعنا بعدم جدوى هذه الأوقات. أقول بملء الفم إن المكاسب التي نجنيها في أوقات الشركة والعلاقة العميقة أمام الله لا تُقدَّر بثمن، ولا يمكن أن نفقدها بسبب ضعفاتنا وسقطاتنا.
تخيل معي لو كان كل أبطال الإيمان ورجال الله في الكتاب المقدس صدقوا هذه الإشاعة الخبيثة؛ لما كنا اليوم نلهج ونصلي مسبحين بصلوات وتسبيحات بطل كداود سقط وقام أكثر من مرة، متعلمًا من كل اختبار وفشل وسقوط، وملقيًا بنفسه بين يدي الإله المحب صارخًا: «طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ. أَسْمِعْنِي سُرُورًا وَفَرَحًا، فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا. اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ، وَامْحُ كُلَّ آثامِي. قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور٥١: ٧–١٠). ربما لأجل هذا الأمر كتب بولس لتلميذه تيموثاوس قائلاً: «لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ» (٢تيموثاوس١: ٧).
القارئ العزيز؛
لا تُصدق كلمات إبليس الخبيثة، وأفكارة المؤذية ومحاولاته المستميته لإبعادك عن حياة الشركة والعلاقة مع الله. فإنه يحاول بكل الطرق أن يثنيك عن العودة من جديد للصلاة وحياة الشركة. هو يرتعب من سجودك، ويضطرب جدًا من قراءتك للكلمة المقدسة وإيمانك بها. أدعوك الآن أن تنفض من ذهنك كل هذه الأفكار الشريرة؛ وتمسك بكتابك المقدس، لتقضي وقتًا خاصًا أمام الله. طالبًا منه أن يأخذك للأعماق من جديد. ويعوضك عن كل الأوقات التي قضيتها بعيدًا عنه.